العائدون من السعودية..الخلاص من نظام الغطرسة الى وطن دمره العدوان
> الرسوم الجائرة أجبرت الآلاف على مغادرة اراضيها
> إجراءات الجباية محاولة لاستعاضة خسائر السعودية في اليمن من عَرَقِ المغتربين
> العدوان السعودي يضاعف كارثية الوضع الانساني عبر ترحيل المغتربين اليمنيين
تحقيق /حاشد مزقر
على غير العادة أقبل عيد الأضحى المبارك إذ لم يأت بالفرحة معه كما عهده المسلمون من أبناء اليمن في الداخل والعاملين في المملكة السعودية وبالمقابل لم يتمكنوا من استقبال الضيف الكريم، ضيف الرحمن بذات الحفاوة والترحاب الذي تعودوا عليه في كل عام يقبل عليهم ويعود السبب في ذلك إلى الحرب العدوانية التي شنتها الجارة العدوانية مملكة آل سعود ضد أبناء الشعب اليمني فقد أدى هذا العدوان إلى تردي الحالة المعيشية لدى الكثير من الأسر وتراجع حال بعضها إلى الصفر “الفقر المدقع “ ومما زاد المعاناة أن من نتائج هذه الحرب صعوبة الوصول إلى الكثير من الخدمات الاساسية ومن بين المتضررين من هذه الحرب أولئك العاملون الذين كانوا قبل أن تدشن السعودية عدوانها يعملون على أراضيها بشظف من العيش ومن خلال عملهم بالأجر اليومي في هذه المدينة أو تلك وفي هذا المكان أو ذاك داخل ما كانوا يحسبونها وطنهم الثاني كانوا يعملون على تأمين قوت عوائلهم في الوطن الجريح.
وتتمثل عمق المأساة لدى هؤلاء بنفاد العائد المالي الذي كانوا يحصلون عليه نهاية كل شهر فالرسوم المفروضة تأخذ رواتبهم ولا تبقي منها إلا النزر القليل وبالتالي أصبحوا عاجزين عن شراء المواد الغذائية الأساسية لأسرهم علما بأن هذه الحالة تمثل الأغلبية من المغتربين ومعظمهم قد عادوا إلى ارض الوطن والبقية ليس أمامهم سوى طريق العودة ..في سطور هذا التحقيق نتابع تفاصيل هذه المآسي التي انتجتها قرارات السلطات السعودية.
بينما ارتضى الكثير من أبناء الشعب اليمني من الفقراء الاغتراب في دنيا المآسي بالنسبة لهم لم يكونوا يطمعون بأكثر من ان تستقر بهم أيامهم في السعودية من أجل تأمين لقمة العيش لأسرهم في الداخل لكن الايام الاخيرة لم تضمن لهم استمرار تنفسهم لا غير ، وبعد ان فقدوا ما كانوا يطمعون به فقد تحولت الحياة امامهم إلى بحر من المصائب يحاولون جاهدين النجاة من أمواجها التي تنوي إغراقهم فهم الآن يقاومون ما فرضته السلطات السعودية من رسوم اثقلت كاهلهم عن طريق بعض الاجراءات كالتقشف في المصاريف وتقليل عدد الوجبات والاستغناء عن كثير من المواد الغذائية غير ان كل هذه الإجراءات لم تخفف من الامر شيئاً فالسلطات السعودية تأتي بأساليب جديدة تخنق العاملين لكي يرضوا بالأمر الواقع ويغادروا اراضيها كما غادرها الكثير من قبلهم.
الهجرة إلى الجحيم
كان الفقر والبطالة قد أخذا منه مأخذا كبيرا وكاد اليأس أن يتمكن منه وبينما هو غارق في متاهات المعاناة القاسية خطرت عليه فكرة الهجرة تيمنا بقوله تعالى “ (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الارض مراغما كثيرا وسعة )” ومن حينها بدأ يرتب لسفره الى السعودية وبفعل مساعدات بعض اقاربه واصدقائه استطاع ان يتدبر تكاليف السفر والتي وصلت الى قرابة مليون ريال يمني وقطع وعدا لكل من ساهم في المبلغ ان يرده اليهم فور عمله في المملكة السعودية …سافر الشاب فهمي البكيلي – المعني بالحديث السابق – في العام ٢٠١٣م وحصل على عمل في أحد المطاعم بجدة ومن حينها وحتى اللحظة لم يتمكن من قضاء دينه حيث راتبه لم يتجاوز ١٥٠٠ ريال سعودي ما يعادل مبلغ ٩٠ الف ريال يمني بسعر الصرف آنذاك ورغم زهادة الراتب إلا انه لا يسلم من الاستقطاعات للكفيل ورسوم تجديد اقامة ورسوم اجراءات اخرى تفرض على العاملين اليمنيين هناك ..
ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد ففي الايام الاخيرة قررت المملكة زيادة الرسوم على العمالة اليمنية هناك ما يعني ان العامل لن يتمكن من توفير ضروريات الحياة إذا ما قام بتسديد الرسوم الجديدة ..وبالتالي اضطر الشاب البكيلي العودة الى اليمن واصبح حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار فالحرب والجوع أشد فتكا باليمنيين في بلادهم.
ضياع جهد الهجرة
مسعود مواطن يبلغ من العمر أربعة وأربعين عاما ويعول أسرته المكونة من تسعة أفراد أغلبهم من الإناث القصّر، كان هذا الرجل قبل الإجراءات التعسفية السعودية يعيّش أسرته من مدخوله الشهري فهو يعمل كسائق معدات ثقيلة مع احد المقاولين السعوديينً في العاصمة الرياض ومع انه ومنذ أن بدأ العدوان على اليمن انقطع عنه هذا المصدر بسبب توقف عمل الإنشاءات التي يديرها المقاول إلا انه لجأ إلى شراء مغسلة بخارية من ماله الذي كان قد ادخره وبدأ بالعمل غير أن هذا العمل لم يدم له طويلا فقد قضى عليه ارتفاع الرسوم المفروضة من جهة ومعاناة عمال المغسلة من تبعات قرارات السلطات على وضعهم المادي من جهة اخرى، وبالتالي وجد الرجل نفسه أمام مصيبة كبيرة فهو يعلم علم اليقين أنه إن لم يتحرك ويبحث عن حل ستضيع نقوده ولأن اليمني ممنوع من التملك فإنه كان قد سجل اسم المغسلة باسم احد الأشخاص السعوديين فاضطر مرغما إلى بيعها له وبسعر بخس ، وبعد تفكير طويل أسهده الليالي لمعت أمام عقله فكرة الخلاص لأسرته من أنياب الموت المحقق إذ قرر أن يلجأ إلى مبدأ الرحيل من ارض الغربة القاسية فكان من أول الراحلين عنها ليحل محل الآلاف ممن اجبرتهم المتغيرات الجديدة على اتخاذ ذات القرار وهاهو يمضي الأسبوع الأول في قريته وهو لا يعلم ماذا يعمل بنقوده فهي لاتفي لعمل مشروع ولو حتى صغير وهو يأخذ منها احتياجات اسرته وبذات الطريقة سيقضي الايام المقبلة حتى يصبح جيبه فارغا..وتحسر نبيل على ست سنوات غربة قضاها في السعودية لم تؤمن مستقبله ومستقبل اسرته فيما يشاهد مغتربين يمنيين في دول غربية يعودون إلى وطنهم وهم يمتلكون الكثير من المال ويتساءل..من الأجدر باحترام المواطن العربي ابناء عروبتهم مملكة الخليج أم أولئك الذين يختلفون معهم في العرق واللغة والديانة..!!
وضع مأساوي
وليد معيض اعتقد في الأيام الأولى بعد عودته من السعودية بأنه أكثر فطنة من آلاف اليمنيين العائدين وبدا له أن لديه قدرة كبيرة في التعامل مع المشكلة والتكيف مع الوضع المأساوي الجديد واعتقد جازما بأن الكثير من اقاربه واصدقائه لن يبخلوا عليه في مسألة توفير اي عمل يستطيع من خلاله اعالة اسرته ومع مرور الوقت ادرك بأن الحالة المادية لكل من لجأ إليهم لا تقل صعوبة عن ماهو عليه ، هذا الشاب الذي يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما ويعول أسرته المكونة من الزوجة وثلاثة من الأبناء وشقيقته ووالدته أصبح غارقا في الهموم وكما يقول لم يعد لديه أي أمل بإصلاح وضع المغتربين اليمنيين في السعودية فهذه الدولة التي تسمي نفسها بالعربية شنت الحرب على الإنسان اليمني سواءا كان داخل وطنه أو على اراضيها.
الراتب للكفيل والرسوم
فهد لطف الله مواطن يمني اغترب في الدمام منذ 5 سنوات حينها دخل السعودية بطريقة غير رسمية لكنه منح بطاقة زائر عام 2015م عندما منحت السلطات السعودية 500 ألف هوية زائر للعمالة اليمنية والذين دخلوا بطرق غير رسمية وذلك بالتزامن مع شنها للعدوان الغاشم على اليمن ويقول فهد : لم تكن هذه الخطوة إلا عملية خبيثة لمعرفة العاملين غير الرسميين ومن ثم فرض رسوم خيالية عليهم فضلاً على ذلك فإن الوضع القانوني لأصحاب هوية زائر جعلهم مهددين بالترحيل عقب انتهاء الفترة الممنوحة لهم والتي تصل إلى 6 أشهر وتجدد بين فترة وأخرى مقابل رسوم يتم دفعها ومن لا يلتزم بكل هذا يتعرّض لختم الترحيل النهائي الذي بموجبه يُمنع من دخول السعودية لاحقاً ولو بطريقة شرعية علاوة على ذلك فإن رسوم المقيمين الجديدة صعبة للغاية خصوصاً على من يعمل في المهن البسيطة فأن يكون راتبك ألفي ريال سعودي ولديك اسرة من خمسة افراد، فإنك ملزم لتدفع نصف الراتب رسوماً عنهم فضلاً عن الكفيل والرسوم الأخرى.
زيادة معاناة اليمنيين
الدكتور سامي السياغي مدير مركز الدراسات السياسية في جامعة صنعاء اعتبر ان نطاق تلك الاجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية قد طال بضرره كل الجاليات الوافدة المقيمة إذا لم تكن متخذة في الاساس بحق الجالية اليمنية دون غيرها، ويضيف :لكن ذلك لا يعني عدم احتمال تلك الاجراءات لأبعاد يمكن تناولها بالتحليل من ناحية منطقية فمن جانب يمكن الجزم بأن تلك الاجراءات تمثل عرضا ظاهرا جدا لمرض عضال بدأ يستفحل خطره في بنيان الاقتصاد السعودي فلم يكن احد ليتخيل أن يصل الحال ببلد يعتمد اقتصاد الرفاهية كالاقتصاد السعودي حد العودة على أرزاق أضعف شرائحه العاملة ممثلة في العمالة الوافده من اجل سد فجواته التمويلية الضخمة والهائلة التي تسببت بها مغامرات مراهقي السياسة ومهووسي ألعاب القتال الافتراضي على الشاشات الالكترونية تلك المغامرات التي يتجسد آخر مسلسلاتها في العدوان على اليمن هذا البلد الذي اثبت شعبه الصامد المجاهد بأنه كالثقب الاسود الهائل الذي يبتلع دون رحمة كل احلام أولئك المراهقين ويحولها إلى سديم يهيم على وجهه في شعاب اليمن وسهولها وجبالها وبحارها..أما من جانب تحليلي آخر فمن المؤكد السعودية بإجراءاتها تلك أضافت لعدوانها على اليمن فصلا جديدا، فمهما كانت درجة عمومية تلك الاجراءات بحق الجاليات المقيمة فإن دفعها للمغتربين اليمنيين بالذات لمغادرة اراضيها في ظل حجم التدمير الذي احدثته بالاقتصاد اليمني والبنية التحتية والخدمات العامة إنما يعني زيادة معاناة جديدة في اوساط اليمنيين والسعودية بذلك السلوك تتحمل مسؤوليات انسانية واخلاقية تجاه المغتربين الذين يضطرون لمغادرتها.
حالة معيشية مأساوية
خالد المجلي باحث أكاديمي وناشط حقوقي يمني عمل خلال السنوات الأخيرة على إبراز الواقع المعاش لليمنيين وربط ذلك بمعاملة السعودية للمواطن اليمني المغترب على أراضيها كون أبهى صور معاناة المواطن اليمني تأتي من هناك فيقول: “ تقصيت عن كثب وضع المواطن اليمني الذي يركن في معيشته على السعودية عن طريق العمالة هناك وتوصلت في آخر بحوثاتي إلى أن اليمني المغترب في السعودية يعيش حالة معيشية أقل ما يمكن وصفها بالمأساوية فالانتهاكات التي تطالهم سواء من قبل الإجراءات الأمنية السعودية أو من قبل السعوديين الذين يعملون لديهم تكاد تصل إلى جرائم ضد الانسانية ، فمن خلال الحالات التي تم رصدها وكذا الشهادات التي تم جمعها فإن أكثر من جريمة يدينها القانون الدولي طالت اليمنيين ومنها الاعتداء على يمنيين بالضرب والاهانة ووصلت في بعضها حد الموت أيضا يتعرض اليمني المغترب هناك للإستفزاز والسلب والنهب للممتلكات والاستغلال والابتزاز للكثير منهم خصوصا الذي دخلوا السعودية بطرق غير قانونية ـ بحسب ما تذكر السلطات السعودية ـ وإلا فالحق أن أكثر من حق قانوني لليمني اكتسبوه من بنود اتفاقية ترسيم الحدود اليمنية السعودية قد ضيع تماما من قبل السلطات السعودية .
نظام الكفيل والعبودية
ويرى المجلي بأن نظام “الكفيل” في دول الجوار العربي هو التجسيد الأبرز لما يشبه أو يقترب من عبودية وتجارة البشر والتي يعاني منها اليمنيون في دول الجوار العربي أكثر من غيرهم من العمالة الوافدة العربية وغير العربية، بل إن مشاكل تجارة البشر أو ما يشابهها على الأقل تمتد إلى ما هو أكثر من مجرد نظام الكفيل إلى افتقاد الكثير من العمالة الوافدة من اليمنيين لأبسط حقوقهم الاجتماعية والإنسانية كحق امتلاك ناتج عملهم وأدواته وحتى ما يوازي مساحات قبورهم عند الموت ناهيك عن حقوقهم المدنية في حرية التعبير والتنظيم المهني والنقابي المنصوص عليه في كل وثائق حقوق الإنسان وفي جوهر الشرع الإسلامي نفسه وهو الأمر الذي يفسر في تقديرنا على الأقل كل واقع النكران والجحود لكل ماهو يمني لدى اصحاب القرار في السعودية رغم صلة الجوار وواحدية الدين واللغة و رغم الثراء الفاحش ورغم مئات مليارات الدولارات التي تنفقها في شراء الأسلحة لقتل وتدمير كل ماهو يمني فكل ماتصنعه بالمغترب اليمني لن يأتي بسبب قلة أو عسرة بل من تغييب إنسانية الإنسان ليصبح عندها مجرد سلعة للبيع والشراء في سوق النخاسة الجديد وإن بأشكال ومسميات جديدة .
تقاعس سفارة هادي
تمثل السعودية سوقاً رئيسية للعمالة اليمنية لكن كثيرين منهم يدفعون كل رواتبهم واجورهم كرسوم للسلطات السعودية حيث صدرت مؤخرا إجراءات بشأن توطين (سعودة) بعض المهن والرسوم المفروضة على المقيمين وكل فرد يرافقهم فمثلت ضربة موجعة لمستقبل الآلاف من هؤلاء العمال واعتباراً من 1 يوليو الماضي يتوجب على المقيمين من جميع الجنسيات دفع 100 ريال سعودي شهرياً عن كل مرافق ويتضاعف المبلغ (200 ريال سعودي) ابتداءً من شهر يوليو 2018م وتشير بعض التقديرات إلى أن الجالية اليمنية في السعودية تقترب من ثلاثة ملايين شخص، وهو رقم كبير مقارنة بعدد الأجانب في السعودية الذين أوضح تعداد السكان السعودي في العام 2017م أنهم وصلوا إلى 12 مليوناً و185 ألفاً و284،و فيما اعتبر الكثير من الجالية اليمنية في السعودية تقاعس السفارة اليمنية بالمخزي حيث لم تقم بمحاولة تجنيب اليمنيين آثار القرارات الكارثية فقد أكد نائب رئيس الوزراء للشؤون الداخلية ضرورة تضافر كافة الجهود بما يخدم المغتربين العائدين من السعودية نتيجة الاجراءات الاخيرة التي اتخذتها السلطات السعودية بحق العمالة الأجنبية ومن بينها العمالة اليمنية والتي تجاوزت الاتفاقيات والمعاهدات بين الطرفين بشأن العمالة اليمنية واستعرض خلال اجتماع عقد بمجلس الوزراء الصعوبات التي تواجه المغترب اليمني لدى دول الجوار والعالم وغياب دور السفارات اليمنية في تلك الدول والتي اقتصر دورها على خدمة مشاريع العدوان ومخططاته التي سعت لتمزيق النسيج الاجتماعي في الداخل والخارج، مطالبا في نفس الوقت منظمة الهجرة الدولية وغيرها من المنظمات الحقوقية والإنسانية بسرعة التدخل لحل قضايا اليمنيين العائدين من السعودية ومساندتهم وتقديم كافة المساعدات لهم…