ثورة الحسين
عبدالله علي صبري
حين خرج الحسين بن علي طلباً للإصلاح في أمة محمد ، كانت الدولة الأموية الناشئة قد دشنت الملك العضوض، ونكثت باتفاق الحسن- معاوية، الذي تنازل بموجبه الحسن عن الخلافة في مقابل أن يعود الحكم شورى، وأن لا يستأثر به معاوية دون المسلمين. وبعد أن تخلص معاوية من الحسن، اتجه إلى تثبيت الحكم في البيت الأموي وفرض البيعة لنجله يزيد بقوة السيف، في سابقة لم يعرفها العرب من قبل ، ما جعل كبار الصحابة في مكة والمدينة يستنكرون هذا الانحراف الخطير، حتى قال أحدهم : والله ما أردتم الخيار لأمة محمد، بل كسروية قيصرية ، كلما مات هرقل قام هرقل .. وهذا ما كان بالفعل .
أدرك يزيد منذ توليه الحكم أن سلطته لن تستقر إلا إذا أخذ البيعة من أهم منافسيه في مكة والمدينة أمثال عبدالله بن عمر بن الخطاب ، وعبدالله بن الزبير ، والحسين بن علي،فسارع بطلب البيعة مهدداً ومتوعداً من يتخلف.
رفض الحسين بن علي البيعة ليزيد ، وحين تأكد أن شيعة أبيه في العراق على استعداد للوقوف إلى جانبه تحرك إليهم معلناً الخروج على يزيد بن معاوية ، ومطالباً بعودة الحكم في جماعة المسلمين، بحسب الاتفاق آنف الذكر.
لم يخرج الحسين لطلب الإمامة كما يتصور البعض، ولكنه رفض أن يسكت على ذاك الانحراف الذي شرعن للاستبداد بالأمر دون شورى المسلمين .. وفي كربلاء رفض الحسين البيعة قسراً وإذلالاً ، واستعد وصحبه –وهم بالعشرات- لمنازلة جيش بالآلاف ارتكب بحق آل بيت النبوة مجزرة دامية ، ربما كانت الأولى والأبشع من نوعها في تاريخ العرب ، وهكذا تعمدت سلطة يزيد بالعنف والإرهاب ، فوق أنها مثلت نقضاً لعروة وثيقة من عرى الإسلام .
بيد أن شيعة الحسين عبر الأزمان يكادون يحصرون الحدث في دم الحسين فحسب، ويتجاهل غالبيتهم القضية المحورية في ذلك الخروج .. واللافت أن المذاهب الإسلامية سنة وشيعة قد رسخت فكرتي (الخلافة والإمامة) في قريش .. ووحدهم الخوارج من قال بأن الأمر شورى بين المسلمين.
لا شك أن المذبحة الدامية التي تعرض لها الحسين وصحبه بلغت درجة كبيرة من البشاعة والقسوة، حتى فرضت على معاصريها من المسلمين السكوت خوفاً من البطش،وقليل هم الذين تحركوا ثأراً لتلك الدماء الزكية.
والنتيجة أن هذا التحرك برغم إيجابيته،بالإضافة إلى عوامل كثيرة، قد أفضت كلها إلى إهمال قضية الشورى عند المسلمين لقرون طويلة.
صحيفة الثورة