” الإضراب ” التعليمي , وأوجه الإنتقادات الموجهة إليه ..!!
كتب / محمد أحمد الحاكم
جميعنا يعرف حجم ومستوى التكاملية في العلاقة التي تجمع بين كلاً من العلم والمعلم وطالب العلم , وما لهذه العلاقة من الأثر البالغ و الكبير الذي قد يسجل على الجميع إما بصورة إيجابية أو سلبية , وذلك في بناء الإنسان و المجتمع روحياً و فكرياً , علاقة إما أن تكون قادرة على أن تؤهل الجميع نحو الإرتقاء و التقدم و التطور في مختلف المجالات على حداً سواء وبما تمكنهم من مواجهة الصعاب و التحديات التي تحيط بهم من كل جانب , و إما أن تكون عاجزة في تؤهلهم , وبالتالي تنحرف بهم نحو السقوط في الهاوية و الاضمحلال في قعر التخلف و الجهل و الظلمات .
إلا أنه وفي ضل تلك الحقيقة التي لا يمكن لأحد إنكارها , و في ضل ما تشهده الدولة اليمنية أرضاً و إنساناً من عدوان دولي صارخ وغير مبرر , وفي ضل أيضاً ما تقوم به القوى الوطنية من جهود جبارة تليق جداً بقدراتهم و إمكانياتهم في مواجهة ذلك العدوان عند مختلف الصعد , برزت للأسف مؤخراً قضية مجتمعية هامشية تمثلت في ما نسمعه ونشاهده من وجود إعلان نظمه الكادر التعليمي , يقوم على فرض حالة الإضراب الكامل و الشامل في مختلف نواحي التعليم , وعلى وجه الخصوص منها المدارس , وذلك كله تحت مبرر المطالبة بالمرتبات .
قبل الخوض في غمار هذا الموضوع أود التأكيد على أن محورية هذه المقالة لن تقوم على مناهضة هذه القضية من حيث الجوهر, بقدر ما ستكون منصبة نحو إنتقادها من حيث الأسلوب و التوقيت و المخاطر التي ستحدثها مستقبلاً على مختلف الصعد , محورية ليس لها أن تبدأ وتنطلق إلا من خلال طرح التساؤل التالي وهو….!!
(( لماذا لم يقم هؤلاء المعلمين بالبدء في إضرابهم بالتزامن مع بداية العطلة الصيفية , بحيث تتيح العطلة لهم الفرصة الكاملة في الضغط على كافة الأطراف المشكلة للحكومة وبالتالي الضغط على بقية الجهات الحكومية والدستورية الأخرى ..؟؟ , ولماذا أصروا على أن يبدأ هذا الإضراب متزامناً مع بداية العام الدراسي الجديد , رغم علمهم الشديد لما سيشكله إضرابهم هذا من أثر سلبي شديد على كافة الطلبة الذين لا ناقة لهم ولا جمل من كل ما يجري على أرض الواقع من نزاعات و حروب ..؟؟ ))
قد يرى البعض من عامة الناس ممن يؤيدون هذا الإضراب ويدعمونه جملة وتفصيلاً , عدم منطقية ما تم طرحه آنفاً من تساؤل , معللين حقيقة وسببية عدم صحة ذلك التساؤل إلى عدة أسباب أهمها و أبرزها يكمن في …!!
أولاً ….. أن قيام الكادر التعليمي بإجراء هذا الإضراب يضل أولاً و أخيراً حقً مشروع دينياً ومكفول قانونياً , و ليس لأحد في إعتراضه أو مناهضته .
ثانياً …. يتمثل في المعتقد السائد حسب ما يتم الترويج لهم من قبل منظمي هذا الإضراب بين عامة الناس والمتمثل في أن فاعلية هذا الإجراء و الأسلوب , لن تتحقق وتجنى ثماره ما لم يكن في هذا التوقيت بالضبط , و المتمثل في بداية العام الدراسي دون غيره من الأوقات الأخرى .
وحقيقة للأمر , وحتى لا يراني الآخرون من زاوية أكثر سلبية , تبنى على أنني أتهم هذه الشريحة المهمة و الرئيسية في هذا المجتمع جزافاً , ودون أي وجه حق يُذكر, فأنني أود أن أشير إلى أن حقائق إنتقادي لهذا الإضراب قد إنطلقت من عدة محاور أهمها ما يلي :-
* التأكيد أولاً على إن حقيقة التساؤل المطروح آنفاً قد إنطلقت من خلال ما يشاهده عامة الناس من تصرفات قام بها الكادر التعليمي المنظم لهذا الإضراب , مشاهدة عبرت بجلاء عن حالة الشك و الريبة التي تجوب عقولهم , والتي دارت رحاها حول التشكيك في مصداقية المطالب و النوايا و الغايات و الأهداف التي يسعى ورائها الكادر التعليمي في تحقيقها , خاصة و أن هذه المطالب قد أتت في ضل هذه الفترة الحرجة من تاريخ العدوان على اليمن , و التي تتصاعد وتيرته في هذه الآونة الأخيرة دون كلل أو ملل .
* كما أن السببية التي دعت عامة الناس إلى أن يأخذوا على منظموا هذا الإضراب مأخذ الإنتقاد و التشكيك في مبادئهم وقيمهم و أخلاقهم ووطنيتهم , تكمن في أن توقيت إعلان هذا الإضراب قد جاء مباشرة بُعيد ما بثته قنوات العدوان كــ ( العربية , الحدث , وغيرهما ) من أخبار كاذبة و تضليلية تعني حول رسوم التسجيل و الرسوم الشهرية المقتطعة على الطلاب كمساهمات منهم للمعلمين في كل أنحاء المدارس .
أضف إلى ذلك … فأن ما يعزز من تلك الحالة هو أن هذا الكادر التعليمي حاول بالفعل فرض تلك الرسوم على الطلبة حسب ما أشارت إليه تلك القنوات قبيل البدء في عملية الإضراب , رغم علمهم بصحة ما جاء في التصريح الرسمي لوزارة التربية و التعليم والتي نفت فيه جملة و تفصيلاً زيف وبطلان ما نشرته و أذاعته تلك القنوات التضليلية .
هناك عدة محاور أخرى تم إستقصائها من خلال الأثر الذي ألحقه هذا الإضراب وفقاً لتداعياته الأولية , وكذا وفق ما ستأول إليه الأحداث في مقبل الأيام القادمة , ومن هذه المحاور ما يلي :-
* إن هذا الكادر التعليمي قد تجاهل عن عمد حقيقة المخاطر التي لا تُعد ولا تُحصى , والتي من المؤكد بأنها ستطرأ نتيجة هذا الإضراب , و ما سينجم على إثرها من عمليات تأخير للتعليم , والتي ستطال على حداً سواء كل المستويات الرسمية و المجتمعية .
* إن هذا الكادر التعليمي لم يمتلك الرغبة الكاملة في تفادي و تلافي ما يمكن توجيهه إليهم من تهم و إدعاءات باطلة , وذلك عبر عدة خطوات أهمها تقنين وتنظيم خطوات مطالباتهم أولاً بأول , كأن يتم أولاً تشكيل لجان متخصصة تعنى في تقديم ومتابعة تلك المطالبات للجهات الرسمية , على ان ترفع كافة التقارير و النتائج التي تنجم نتيجة ما توصلت إليه تلك اللجان من مفاوضات مع الجانب الحكومي وذلك للرأي العام , بحيث تكون كل تلك النتائج شاهدة لهم لا شاهدة عليهم .
* أن هذا الكادر التعليمي لم يدرك من أن الرسالة التي أراد في أن يوصلها إلى الجانب الحكومي وفقاً لهذا الأسلوب و المتمثل في هذا الإضراب لم يتمكن من توظيفها على الوجه الأمثل بقدر ما أستطاع العدو في أن يوظفها لصالحه أكثر من أن يوظفها هذا الكادر لصالحه , فبدلاً من أن تلقى هذه الخطوات القبول والترحيب بين أوساط الشعب , قوبلت من قبلهم بالإنتقاد و التهكم و الإستهجان .
في المقابل استطاعت قوى العدوان في أن توظف هذه القضية و تجعل منها القضية المجتمعية الأولى , والتي رمت من خلالها تحريف وتغيير أجندة و أوليات و إهتمامات المواطن نحو القضايا الرئيسية ذات الطابع الأولوي في التنفيذ , وعلى رأسها تحشيد ورفد الجبهات بالمال و السلاح و الرجال , وكذا تعزيز عوامل الصمود و الثبات و التلاحم و التكاتف بين أوساط أبناء الشعب داخلياً وعلى جبهات الحدود , لتتجه نحو الإهتمام بالقضايا الهامشية كهذه القضية .
* الإنتقائية و الأنانية المفرطة التي تعتري خلجات و صدور و عقول كل المنضويين تحت لواء هذا الكادر التعليمي , فعلى الرغم من إدراكهم التام من أن قضيتهم هذه ليست إلا قضية جزئية من قضايا كلية و مركبة , إلا أننا نجدهم يصبون جل إهتماماتهم و رعايتهم نحو قضيتهم فقط , دون الإكتراث إلى ما يعانيه باقي موظفي الدولة العام و الخاص , ممن لهم الدور الأبرز و الحقيقي في تعزيز الصمود و الثبات خلال مواجهة هذا العدوان , وعلى رأسهم القوات المسلحة و الأمن و أفراد اللجان الشعبية .
* إن غالبية المنضويين تحت لواء هذا الكادر التعليمي تغاضى وتناسى عن عمد عظمة و مسئولية المهمة الملقاة على عاتقه , عظمة لم يكن لأحد في ما مضى أن يقوم بمهنة التعليم ما لم يكن لديه العلم الكافي , والذي لا يشهد له بذلك إلا كبار العلماء و الأدباء و المفكرين والساسة العظماء وعامة الناس في كبار الجوامع و المساجد وكبار المدارس التعليمية الضاربة جذورها في أعماق التاريخ .
في حين أن الغالبية الأخرى من هذا الكادر لم يدرك إلى الآن حقيقة وعظمة ومسئولية تلك المهمة الجليلة الملقاة على كواهلهم , وكيف لهم أن يدركوا تلك الحقيقة وهم أصلاً ممن تخرجوا من مستويات التعليم الأساسية و الجامعية بعد أن تربوا على منهجية الخداع و التضليل , وشهد لهم عند تخرجهم مقلدي الغرب من أفنوا حياتهم في أحياء حفلات التخرج الجامعية المبتدعة غربياً , والتي يعلم عنها منا القاصي و الداني بطبيعة هذه الحفلات وما يجري بين ثناياها لا أتشرف في أن أذكرها .
* أن البعض من أعضاء هذا الكادر لم يدركوا إلى الآن بأن واقع الحياة التعليمية لا تعرف إلا معناً واحد وهو البذل و العطاء و التضحية و الفداء كرامة وحباً لأبناء هذا الوطن , تقوم على الأخذ بكل معاني التربية الدينية و الأخلاقية الإسلامية العربية الصرفة , ورغم ذلك نجدهم يبتدعون عن عمد بدلاً عنها تربية ديمقراطية غربية زائفة لا تسمن ولا تغني من جوع , ليطبقها على أرض الواقع كهدف بديل مغاير تماماً عن ما تقتضية علينا واجبات الحياة الأخذة كلية لا تجزئة لمعاني و قيم ومبادئ و أخلاق الدين الإسلامي الحنيف .
* أن الغالبية من أعضاء هذا الكادر لم يدركوا من معنى و حقيقة وحجم ومستوى الدور الذي يقومون به في هذه المهنة العظيمة , سوى ” الساعة إلا ربع ” التي يقضونها في صباح يومهم العملي مع الطلاب , والتي لا يأملون من تلك المدة سوى أن يتمونها وفق أي صورة ممكنه وبأي حال من الأحوال , غير آبهين لنتائج الأثر الذي سينعكس على الطلبة نتيجة ما قدم لهم في تلك المدة الوجيزة سلباً أو إيجاباً .
* أن كل أعضاء هذا الكادر التعليمي لم يدركوا بأن الوضوح و الشفافية هما فضيلة المعلم , وبالتالي فأنهم في حال عدم الأخذ بهذا المبدأين سوف يضعهم في براثن الكذب و الخداع ,ليتجهوا بعد ذلك مباشرة نحو السقوط المخزي و المقيت في الهاوية المشوبة بلعنة التاريخ و الوطن و الأمة أجمعين .
صحيفة الثورة