أفق نيوز
الخبر بلا حدود

مذكرات طفل يمني

198

د. أسماءالشهاري

أكتب هذه الكلمات وأنا أعرف أنه ليس لها صدى، لكني أحلم بأخذها معي ذات يوم لأرميها في البحر لكي تتقاذفها الأمواج حتى ترسو في أرضٍ أخرى أو في أعماق البحر فترحل بعيداً عني، لكن هل ستأخذ معها ما بداخلي من مرارة وألم وذكريات مظلمة!

أنا أعيش في مرحلة تعد مهمة للجميع على سطح هذه الأرض، الجميع يتغنون بها ويولونها قسطا كبيرا من اهتماماتهم..حتى يكاد من هم في عمري أن يمشوا على الأرض ملوكاً!
تقام المنظمات والمحافل باسمي عفواً أقصد باسمهم.

آهٍ. نعم فأنا الطفل اليمني لست محسوباً عليهم ولا على هذه المنظمات ولا يهمها شيء من أمري!
كأني لستُ طفلاً كغيري! بل كأني لستُ من بني البشر!

لم أعد أحلم بالألعاب ولم يعُد همي أن أخرج إلى إحدى الحدائق!
كل ما أحلم به ألا يداهمني الموت.

نعم. أحلم أن يشرق علي صباح اليوم التالي ولا أزال أتنفس!
وأن أعضائي لا تزال معي، وليست إلى جواري!
أحلم أن تعود أمي إلى البيت بعد أن غادرته وغادرت الحياة إلى الأبد بسبب مرضها المستعصي وعدم توفر الأدوية والمستلزمات اللازمة في المشفى!

أحلم ألا أرى وجه أبي البائس ودمعته النازلة في ظلام الليل لأنه لم يتمكن من إحضار ما يسد به رمقي ورمق إخوتي بسبب الجوع والحصار الخانق الذي يطبق قبضته علي وعلى مدينتي!

أحلم أن يعود صديقي العزيز الذي أصابته طائرات الغدر ودفنته تحت ركام منزله.

أحلم أن تعود لصديقي الآخر قدمه التي فقدها بسبب ذات الطائرة اللعينة.

أحلم أن يعود إلى صديقتي أبواها بعد أن أصبحت يتيمة و وحيدة في هذه الحياة في إحدى ملاجىء النازحين.
ليست أحلامي كبيرة.

أحلم فقط بكسرة من الخبز في صدر النهار!

وكم تمنيت لو أن ذلك الوباء اللعين لم يزر بيتنا الصغير( الكوليرا)ويخطف أصغر إخوتي، والذي لم أنجُ منه إلا بأعجوبة !

أحلم أن أستيقظ يوماً وقد غادرت تلك الطائرات اللعينة سماء بلدتي الحبيبة التي كم تقض مضجعي وتؤرق منامي وتجعلني أعاني الأمرين وأنا أشعر بالخوف والهلع.

أحلم وأحلم أن أعود إلى مدرستي الحبيبة.
كل ما أحلم به أن أمسك بيدي كراستي وأقلامي.

لا تقتلوا آخر أحلامي.

فكم أفتقدها وأفتقد ضحكاتي بين أروقتها ووجوه أساتذتي وخلاني.

هي الحلم الجميل والأمل الأخير لي، لماذا يريدون أن يسرقوا آخر أحلامي؟

آهٍ هل تراني أعود إليها؟

لماذا لا يدركون أني لا أفهم في السياسة، ولا أعرف شيئاً عن تدبير أمور الدولة؟ لا أعرف سبب خلافات الكبار، سوى أنها تزيد من كبتي ومن أحزاني!

لماذا كأنَّ من في الداخل والخارج يتعاونون لكي يغلقوا في وجهي أبواب مدرستي وآخر منفذ للضوء لي؟
أنا الطفل اليماني.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com