ما حقيقة الاتفاق السعودي الإماراتي بالتخلص التدريجي من حزب الإصلاح ؟!
يمانيون : عبدالخالق النقيب
في تطور شديد الخطورة ؛ عاودت السعودية تعزيز القوة العسكرية لحليفها هادي «الرئيس المعترف به دولياً» وإمداده بآليات عسكرية ثقيلة ، وصلت مؤخراً إلى قصر المعاشيق بمدينة عدن ، فيما تواصل الإمارات «الحاضر الأقوى في جنوب اليمن» تكثيف دعمها وتعزيزاتها للفصائل المسلحة التابعة للحراك الجنوبي ، التي لا تتورع في مناوءة حكومة الشرعية، وتطلب منها شن حملات مداهمة وإحراق لمراكز ومقرات حزب الإصلاح « الإخوان المسلمين فرع اليمن» ، واعتقال قيادات رفيعة في الحزب الذي يعد حليفاً محورياً للتحالف العسكري السعودي وواحداً من ركائز وأدوات حربها في اليمن ، وهو الحزب الذي ينخرط الألآف من أعضاءه للقتال في الصفوف الأمامية بمختلف الجبهات والمعارك ، غير أن الإمارات تتجاهل ذلك الدور المعتبر ، وتسعى لإزاحة «حزب الإصلاح» من الجنوب في إطار صرامة موقفها العام ، وعدائها المبدئي لتنظيم الإخوان المسلمين دولياً ، ساعدها في ذلك قبول السعودية بالعمل معها ضد الإخوان كتوافق سعودي إماراتي اتضحت شراكته لحظة اندلاع الأزمة الخليجية مع قطر ، ما يعد بنظر مراقبين أن ما يتعرض له الإخوان المسلمين في الجنوب يحمل مضامين لاتفاق سعودي إماراتي جرى بشأن جنوب اليمن ، ويقضي بالتخلص التدريجي من «حزب الإصلاح» ، وفي سياق متتابع ، يقابلة «فرملة» للاندفاعة الشديدة لفصائل الحراك الجنوبي المدعومة إماراتياً.
– لعبة خطرة :
باتت واضحاً من أن الأوضاع في جنوب اليمن تخضع للعبة خطرة ، في سياق العبث والتفكك ، وتمرير مخطط سيئ يعمل على تأزيم المشهد سياسياً وأمنياً ، ويخلط الكثير من الأوراق ، ويخوض تجربة ضارية في تكريس مهمة التدمير وتشتيت الانتباه بقضايا صراع هامشية ، ساهمت أولاً في تمييع قضية الحراك الجنوبي ومطالبته بالاستقلال عن شمال اليمن ، وتحويلها إلى حالة من الاستغلال الانتهازي ، يسهل استثمارها وتجييرها لصالح حسابات غير مفهومة ، ومن ناحية ثانية عملت على تأجيج مناخ التصدعات القائمة ، والتي أخذت تتنوع مستويات انقساماتها ما بين سياسية ومناطقية وجهوية وشخصية ، يرافقها ولادة تشكيلات مسلحة خارجة عن سلطة الدولة وتكوينات الجيش الرسمي.
مسارات المستقبل المحتملة:
وفي قراءة لأكثر السيناريوهات استشرافاً ، في ضوء إفرازات المشهد ومعطياته المتغيرة محلياً وإقليمياً ودولياً، وعواملها المؤثرة في جنوب اليمن ، والاتجاهات الإجبارية التي تفرضها محددات الحرب ومآلاتها المفتوحة على كل الاحتمالات ، فإن جنوب اليمن قادم على إحدى السيناريوهات التالية :
سيناريو الاستفتاء على غرار إقليم كردستان وكتالونيا :
بدا عيدروس الزبيدي مطلع الأسبوع الجاري وهو متحفز للأحداث الجارية في إقليم كردستان واستفتاء كتالونيا الذي خرج بنتيجة تخول سلطة الإقليم بالاستقلال عن أسبانيا ، حيث قال عيدروس في خطاب أمام مناصريه أنه سيتم الإعلان قريبا عن استفتاء لانفصال جنوب اليمن.
ويرى مراقبون أن خطوة كهذه تهدد بمزيد من الاضطرابات في المناطق والمدن الخاضعة لسيطرة التحالف العسكري السعودي الإماراتي ، ولن تصل بالجنوبيين إلى هدفهم المحوري «استقلال الدولة والحكم والسيادة».
الحراك الجنوبي الذي أعلن عن تأسيسه 2007 ، على يد مجموعة من الضباط العسكريين الذين تمت إحالتهم للتقاعد ، لازال مفتقراً لروية ضابطة مشتركة ، ولم تصل تكويناته المختلفة إلى مرحلة النضج الذي يسرع في انخراطها تحت سقف حامل سياسي موحد، ذات قيمة اعتبارية محلياً ودولياً ، إما بعودة الانضواء تحت قيادة الحزب الاشتراكي باعتباره التكوين السياسي الوحيد الذي مثل السلطة في الجنوب ووقع على وثيقة الوحدة 1990، أوعبرتكوين بديل ذات قيمة وازنة يشترط ان يستمد تمثيله من حالة إجماع شعبي واسع ، وتصبح بقية الفصائل والتكوينات الحدية والناشئة جزءاً منه ، ولا تمارس أدواراً سياسية أو تنظيمية إلا بناء على تخويل من التكوين العام ، وفي إطار المحددات العامة للكيان باعتباره أول خطوات الأداء السليم ومسا العمل السياسي الوحيد الذي يؤهل لإمكانية التعاطي معه دولياً ، وتصبح وقتها الإجابة عن التساؤل المطروح «لمن نسلم؟ وكيف؟» مشروعة وضامنة لمحددات الأمن والسلم الدوليين ، وإلى ان يتحقق ذلك ستبقى التحركات مجرد محاولات فاشلة ، وفي النهاية ستكتشف الفصائل انها كانت تعمل وفق سوء تقدير تاريخي .
سيناريو الإحتواء المؤقت:
هذا السيناريو يأتي على حساب غياب الدولة واستنزاف مؤسساتها من الداخل ، واستمرار حالة التعليق التي آسفر عنها تمدد الاضطرابات السياسية والأمنية ، فقد ثبت مراراً فشل استراتيجية الاحتواء المؤقت التي سعت إليها المملكة السعودية والإمارات إلى تطبيقها على مدينة عدن وبقية مناطق ومدن جنوب اليمن ، منذ أن تم استدعاء عيدروس الزبيدي الذي يرأس المجلس الانتقالي الجنوبي ، واستبعادة خارج عدن وترتيب إقامته في العاصمة الإمارتية «أبوظبي» لعدة أشهر ، قبل ان يعود مؤخراً إلى مدينة عدن للاحتفاء مع أنصاره بالذكرى الـ54 لثور 14تشرين الأول أكتوبر ، لتعود معه مظاهر التوتر والتشنج بعد أن تمكنت تدخلات التحالف من معايرة هامش العمل داخل المجلس الانتقالي الجنوبي وتحجيم تحركاته إلى ما دون التصادم والمواجهة مع حكومة هادي والسلطة المحلية في عدن ، في اتفاق واضح بين المملكة السعودية ودولة الإمارات ، غير أنها في المجمل تبقى ضمن التحكم بخيوط اللعبة ، ولا تعدو من كونها محاولات للتهدئة التي لا تصمد طويلاً وتعود بالعاصمة المؤقتة إلى مربع الصفر.
سيناريو الإرث التقليدي للصراع الجنوبي
لا يستبعد العارفون بالإرث السياسي التقليدي في جنوب اليمن دخول الجنوب مرحلة صراع دموي لا ينتهِ في ظل عودة التوتر إلى مدينة عدن ، أهم مدن الجنوب ، واتساع الإشارات السلبية لبيئة أصبحت مهيئة للإنفجار المفاجئ ، يدعم هذا السيناريو بروز تكتلات وانقسامات عميقة وصادمة ، تعكس حجم الاختلاف والتباين ، وتعدد الشخصيات التي تتصدر المشهد وتسهم في تعنيفة ، وسط تنامي وتيرة الاستقطاب الشعبي هناك ، بعد أن أخفق المجلس السياسي الجنوبي الذي أعلن عن تشكيله 11 مايو آيار الماضي ، تقديم نفسه كممثل وحيد للجنوب ، وتحول الفصائل المنقسمة على نفسها داخل الحراك الجنوبي إلى معسكرات متعارضة يسعى كل معسكر لانتزاع السلطة ، ويدعي أحقيته في إدارة الموارد والشأن العام ، ما يمثل تهديداً إضافياً يمضي بجنوب اليمن إلى منعطفات خطرة للغاية ، ويقوض مشروع العودة المبدئية والآمنه إلى ما قبل مايو آيار1990، ليس باعتبار أن الفصائل تبدوا أبعد ما يكون عن المنهجية السليمة التي يمكن أن تقودها إلى الاستقلال كهدف محوري وحسب ، بل لارتباطها أيضاً بتفوق اللاعبين الإقليميين في تطويع تلك الفصائل وفي مسارات تخدم أجندات مختلفة يتم الاستفادة منها خارج الحدود اليمنية ، وتحريك بيادقها على أرضية لا تتوافق مع مصلحة اليمنيين عموماً والجنوبيين على وجه الخصوص .