فاسد في القفص
عبدالحافظ معجب
منذ ما يزيد عن 3 عقود لم نسمع أن فاسداً نال عقابه أو تمت مساءلته، وكانت الحكومات المتعاقبة تكتفي بنقل الفاسدين من مناصبهم الى مناصب أخرى، فمن يفسد في الزراعة يجري نقله للصناعة، ومن يفسد في النفط يتم نقله الى الاتصالات، وعلى هذا الحال، حتى شعرنا باليأس الكامل، وأسهم هذا التعامل مع الفاسدين بخلق شبكات فساد واسعة في مختلف المرافق والمؤسسات الحكومية، وأصبح الفساد أمراً عادياً، والتعامل مع الفاسدين أمراً واقعاً، والفضل يعود للحكومات الفاسدة.
جاءت ثورة الـ21 من أيلول ومؤسسات الدولة غارقة بالفساد، وكانت الخطوة الأولى للثورية العليا هي تفعيل دور الرقابة على المؤسسات والمرافق الحكومية، وهو ما تسبب بحالة من الخوف والهلع لدى كثير من اللصوص الذين اعتادوا على نهب ثروات البلاد والتقاسم مع (الكبار) دون حسيب أو رقيب، ومن أجل حماية الفاسدين انطلقت كثير من الحملات الإعلامية (المضللة) التي اتهمت الثورة والمشرفين بالفساد، كإجراء استباقي قبل أن يصدر أي قرار اتهام بحق (هوامير) الفساد الذين شعروا بالخطورة الحقيقية على مستقبل (الهبر) والنهب الذي استمر لعشرات الأعوام، قبل أن يشارك الثوار في السلطة، ويراقبوا أداء العاملين فيها، ولجأ الكثير من المفسدين الى اختلاق المشاكل مع المشرفين، والاصطدام معهم، لأنهم حرموهم من ممارسة هوايتهم (المقرفة) بالعبث بقوت الشعب.
كل الحملات والتضليل والكذب والتزوير لم تستطع أن توقف عمل الرقابة الشعبية والمجتمعية والثورية على أداء الفاسدين الذين احتموا طويلاً بقانون محاكمة شاغلي الوظائف العليا في الدولة، الذي وفر الحصانة لهم منذ صدوره عام 1995م، والذي ضم تحت جناح حصانته جميع القيادات العليا للسلطة التنفيذية، حتى جاءت البشارة التي انتظرها الشعب طويلاً بعد 22 عاماً من صدور هذا القانون، حيث أعلنت السلطات القضائية عن اعتقال أحد قيادات وزارة النفط والذراع اليمنى للوزير، على خلفية قضايا فساد كبيرة.
وأخيراً، وبعد طول انتظار، وجهت نيابة الأموال العامة باعتقال مدير شركة النفط فرع محافظة الحديدة المدعو عبد الله الأحرق، على خلفية قضايا فساد بالمليارات، وتم التحقيق معه بناء على تقرير أعدته لجنة مشكلة من قبل شركة النفط، بعد أن (طلعت ريحته وفاحت).
هذا الفاسد الذي عينه المؤتمر الشعبي العام، متورط في استلام عمولات النفط مباشرة في أوراق عادية لدفاتر مدرسية بخط اليد، وكان يقوم بتحويل العمولات والتصرف فيها بشكل (وقح) ومستهتر، وكأنه يتصرف في ملك (أبوه).
الوثائق التي بحوزة النيابة العامة تثبت تورط معالي وزير النفط بحكومة الإنقاذ الذي يشترك مع الأحرق في تبديد الأموال العامة وتدمير المنشآت الحكومية، وعلى رأسها الميناء النفطي بمحافظة الحديدة، والذي سبق أن كشفت صحيفة (لا) في تقاريرها وتحقيقاتها ما تعرضت له هذه المنشأة من تدمير ممنهج يخدم العدوان ومخططاته.
فهل سيلحق معالي الوزير برفيقه الى السجن؟ وهل سيتبعهم بقية (الهوامير) الذين يعبثون بالمليارات، والشعب يبحث عن لقمة يسد بها رمقه، أم سيكون (الأحرق) الأول والأخير؟! قولوا معي يا رب يكون فاتحة الخير لاعتقال وحبس ومحاكمة كل الفاسدين الذين حرموا الموظفين من مرتباتهم، وحرموا خزينة الدولة من مليارات باستطاعتها أن تنهي كل الأزمات الاقتصادية.
نحن بانتظار محاكمات علنية ومشانق في الساحات العامة أمام العالم أجمع، ليكون هؤلاء الفاسدون عبرة لمن يفكر بالعبث بحقوق الشعب، وفرصة لاجتثاث الفساد وتطهير مؤسسات الدولة التي نخرها وأنهكها كثيراً.
والرقابة الشعبية مسؤوليتنا جميعاً لفضح وكشف هؤلاء اللصوص وكل من يتستر عليهم أو يعينهم أو يدافع عنهم.
المصدر : موقع “لا”