أفق نيوز
الخبر بلا حدود

في عليين

184

فوزية عبد الوهاب

شعرت ببرد شديد، اصطكت اسناني، فتحت عينيّ ببطء وتمنيت لو لم أفتحها ليبقَ ذلك العالم الجميل ماثلاً أمام عينيّ، ضحكات ابني ذي التسعة الأشهر ومناغاته تملأ وجداني، وجه امي المشع نورا وهي تحاول إخفاء الدموع التي تجمعت في عينيها، وفمها الذي لم يفتر وهي تغمغم بالدعاء وقد تهدج صوتها، وزوجتي التي ادارت وجهها عني لتنتحب بالبكاء، حاولت ان اظهر لهم الفرح، وامازحهم، وقبلت ابني الصغير، تملكتني مشاعر متضاربة، سعادة ممزوجة بألم، لكني تنهدت ورفعت رأسي ومضيت حاملا سلاحي إلى مواطن العزة والشرف.

نفضت تلك الذكريات عني ونظرت فلم أرى إلا ظلاما دامسا يلف كل ما حولي، لا صوت سوى ريح باردة تزيد وحشة المكان، شيءٌ ما يغرقني، يتسرب من بين أضلعي، ويزيد احساسي بالبرد.

حاولت ان اتحرك لكني لا اشعر بقدمي، تحسست رفيقي بجانبي ناديته لكنه لم يجب، حاولت الزحف اليه، هززته لكنه لا يبدي حراكا، غبت عن الوعي وذهبت لعالم الخلود الأبدي.

عندما جاء المدد ليتفقدهم كانت رائحة زكية تملأ المكان في تشييعه كانت روايات كثيرة تتردد عن بطولات تفوق الخيال له وزميله، عن صدهم لزحوفات المعتدين، عن قنصهم للعديد من جنود العدوان، عن تدميرهم لمدرعات العدو وآلياته، وكانت تلك الحفرة التي تمترسوا فيها هي الرعب الذي قذفه الله في قلوب الأعداء طويلا، الذي اذاقهم الويل، حتى ظنوا ان جنًا هي من تفعل بهم تلك الاعاجيب، فأرسلوا شياطينهم عشرات الصواريخ والغارات تقصف ذاك المكان.

قِلّةٌ هم من عرفوه، وجل ما عرفوه عنه انه ذلك الشاب الذي قُصف بيته بمن فيه بعد ان ذهب إلى الجبهات ولم ينجُ من ذلك القصف أحد، لو عرفوه جيدا لعرفوا سر الابتسامة التي انارت وجهه، احبته امه الحنون وزوجته الغالية وصغيره الذي ودعهم مستعجلا ليمضي في مهمته المقدسة على أمل العودة إليهم، هم من استقبله في الجنان وصغيره جاء اليه راكضا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com