عبدالباري عطوان : يقرعون طبول الحرب في لبنان تحت قبة الجامعة العربية .. وهل يلعب صاروخ الرياض الحوثي دور اسلحة الدمار الشامل العراقية؟
عبد الباري عطوان
تحولت جامعة الدول العربية في السنوات العشر الاخيرة الى اداة لاشعال الحروب وتخريب الدول العربية وتفتيتها، الى جانب تحولها الى مظلة “طائفية” بغيضة توفر الغطاء والشرعية لكل اوجه العدوان الامريكي والغربي على الامة، اشعلت حربا في سورية استمرت سبع سنوات، واخرى في ليبيا حولتها الى دولة فاشلة، وباركت ثالثة في اليمن مستمرة منذ عامين ونصف العام، وها هي تتأهب لتفجير الحرب في لبنان بضغط من دول الخليج، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
السيد احمد ابو الغيط، امينها العام، الذي تعرض للتهميش منذ توليه مهام منصبه قبل عامين تقريبا، تبنى الدور “المريب” الذي تبناه من سبقوه، اي السيدين عمرو موسى واحمد العربي، وها هو، ومثلما اتضح في الاجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب اليوم، يؤديه بشكل مميز، بحيث بزّ الاوائل والاواخر.
***
هناك عدة امور لفتت انتباهنا من خلال متابعة كلمات وزراء الخارجية، او بعضهم، في الاجتماع المذكور، بالاضافة الى ما يجري في كواليس المنطقة والعالم من تحركات لها صلة مباشرة بالاجتماع:
- اولا: تحول الصاروخ الباليستي الذي اطلقه الحوثيون على مطار الملك خالد شمال الرياض الى “المبرر” لاعلان اي حرب وشيكة ضد “حزب الله” في لبنان، وربما ايران نفسها، وكأنه اسلحة الدمار الشامل التي قيل انها كانت في حوزة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فالسيد ابو الغيط وصفه بأنه الحلقة الاخطر من مسلسل التجاوزات الايرانية، ويبدو انه، اي السيد ابا الغيط، لا يعلم انه تم اسقاطه ولم يوقع اي خسائر، وانه جاء ردا على اطلاق آلاف الصواريخ اثناء غارات مستمرة منذ عامين ونصف العام على اليمن، ادت الى مقتل اكثر من عشرة آلاف شخص معظمهم من الاطفال في بلد محاصر حصارا خانقا، وعضو كامل في جامعة الدول العربية.
- ثانيا: اتصال الرئيس الامريكي دونالد ترامب بايمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، فور انتهاء اجتماع الاخير مع السيد سعد الحريري، واتفقا على ضرورة العمل مع الحلفاء لمواجهة انشطة ايران و”حزب الله” المزعزعة لاستقرار المنطقة، وفور انتهاء المكالمة، بادر الرئيس الفرنسي بإجراء عدة اتصالات مع قادة شرق اوسطيين، ابرزهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وهذه الاتصالات تذكرنا بنظيراتها قبيل الحروب والازمات العراقية والسورية والليبية.
- ثالثا: تأكيد وزير خارجية البحرين، الشيخ خالد بن احمد آل خليفة في كلمته النارية امام اجتماع وزراء الخارجية العرب ان لبنان يتعرض لسيطرة تامة من جانب “حزب الله” الارهابي، مما يعني، او يرجح، ان البداية ستكون في لبنان.
- رابعا: السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، كان قائد الاوركسترا، وموزع النغمات على المشاركين، وهذا امر متوقع بحكم ان دولته هي التي دعت الى عقد هذا الاجتماع الطارىء، ولكن تصريحه الذي قال فيه انه “يجب الوقوف بجدية ضد الممارسات الايرانية التي تشكل انتهاكا للامن القومي العربي”، واضافته “ان السعودية لن تقف مكتوفة الايدي ازاء الاعتداءات الايرانية”، هذا التصريح يضع اللبنة الاولى في خريطة الطريق نحو الحرب.
لا نعرف ما هو موقف دول عربية اخرى شاركت في اجتماع وزراء الخارجية الطارىء المذكور مثل الجزائر والعراق والسودان والمغرب وتونس، وما هو الدور الذي لعبته في الجلسات المغلقة، اذا كان لها دور في لجم هذا الاندفاع المتسارع نحو الحرب، ولكننا كنا وما زلنا نفضل لو انها لم تشارك فيه ايضا، حتى لا تتحول الى “محلل” لهذه الحرب المقبلة، مثلما فعلت في الحروب السابقة.
الحرب مع “حزب الله” لن تكون حربا سهلة، والفوضى الدموية التي ستكون ابرز انتاجها لن تتوقف عند حدود لبنان، والدول التي ستشعل فتيلها لن تكون في مأمن، لانها حرب ستحرق اثواب الجميع، والناجون الوحيدون هم امريكا والدول الاوروبية البعيدة جغرافيا، هتلر اشعل الحرب العالمية الثانية واحتل دولا اوروبية عديدة، ونصف الاتحاد السوفييتي، ولكنه لم يكسب الحرب، وانتحر معترفا بالهزيمة في ملجأه في برلين، امريكا حصدت ثمار النصر، واوروبا دفعت ثمنها دمارا، ولا نستبعد تكرار السيناريو نفسه في بلداننا ومن اهلنا.
***
الحرب القادمة لن تكون عربية، وان كانت بالاسم والغطاء فقط، وستكون حرب اسرائيلية امريكية نحن وقودها، ولاهداف امريكية اسرائيلية ايضا، واذا كانت امريكا واسرائيل فشلتا في سورية والعراق، فلن تربحا اي حرب في لبنان، او ضد ايران، ليس لان هذه الحرب ستطول وستخرج عن نطاق السيطرة، وانما ايضا لانه قد تجر اليها قوى عظمى مثل روسيا والصين، فالزمن تغير وموسكو لا يحكمها غورباتشوف، ولا يلتسين الخاضع للنفوذ الصهيوني من خلال “مجون” ابنته، تماما مثل الرئيس الحالي ترامب وابنته ايفانكا.
لا نعتقد ان تهديدات السيد الجبير، ودخول السيد ابو الغيط على خط الازمة محرضا سترهب اللبنانيين، مثلما نجزم ان الصفقة الكبرى التي يروج لها صهر ترامب جاريد كوشنر، ستخدع الفلسطينيين، وان خدعت فستخدع احد افرع قيادتهم فقط، ولعلها حرب قد توقظ الامة من سباتها العميق.
لم يُهزم العرب في كل الحروب التي فرضت عليهم منذ عام 1973، ولم تنتصر اسرائيل في اي منها، واليمنيون الافقر والاكثر شهامة لم يستسلموا رغم ضعف تسليحهم وشدة الحصار، ولم يرفعوا الرايات البيضاء، وكذلك فعل اللبنانيون والسوريون والعراقيون والفلسطينيون.
هناك قول مأثور نؤمن به في الشدائد، وهو “قد يأتي الخير من باطن الشر”، وربما ينطبق على الحرب القادمة التي يقرعون طبولها.. والايام بيننا.