أفق نيوز
الخبر بلا حدود

من سوُرة الدخان نستمد ثورتنا

187

م/ أمين عبدالوهاب الجُنيد

انطِلاقا من هدى الله ومن فهمنا لكتابه العزيز حِين نصوب عينا على القرآن وعينا على الاحداث .سنلحظ أننا نزداد إيمانا حِينما نجد لواقع ثورتنا مصاديق تملأ آيات الكتاب المبين . ومن خلال هذا البحث سنستلهم من سورة الدخان احداث المرحلة وكيف جسدت آياتها المعنى الحقيقي للِثورة ضد الظالمين و كيف ضرب الله الأمثال بثورة نبي الله مُوسى ضد فرعون وماهي التوجيهات والتعليمات الإلهية الواردة فيها ! وما هي أوجه التطابق والتشابه بينهما !

ففي هذه السورة وردت قِصة نبي الله موسى من زاوية لها علاقة بِثورة قرآنية مُماثلة مُرتقب حدوثها لها نفس الامتداد والسلوكيات والادبيات فرق الله لنا من احداثها ومراحِلها ما يشفي قلوبنا وينذرنا ويعلمنا بِطريقة التعامل معها انطلاقا من واقعنا الحالي وعكسه على المعنى الحقيقي للقرآن الكريم وفق سياق آياته فقد وجدنا فيه خبر ما قبلنا وحُكم ما بيننا ونبأ ما نسير عليه وما تواجهه ثورتنا اليوم من قِبل إمبراطورية فِرعون وقارون وجنودهما في هذا العصر .لهو اكبر برهان ودليل .

وبالتالي بدأت السورة بِتحديد الليلة المباركة لِنزول القرآن الكريم وعظمت المناسبة وما انعكس عليها من فضل فِيما يُفرق فِيها من كل امر حكيم .كل ذلك بشرنا به من باب الفضل والرحمة بنا ..بينما أبناء البشرية في وضعية اللهو والشَّك واللعب واللا مبالاة .

ونتيجة لِذلك حسم الله الموقف وامر بالترقب لِظهور او نزول او حدوث امر حكيم سيُحدد مصير ما نحن عليه .وبالتالي قال الله تعالى( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ) الى قوله تعالى (ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم .

أن أدُوا إلى عباد الله إنى لكم رسول أمين) من خِلال هذه الاحداث البينة في هذه الآيات اتضح لنا معنى الدخان انه ليس بالسراب او السحاب او العلامات التي امتلأت بها كُتب التفاسير . بل هو ذاك الحدث الحقيقي الذي نعيش اليوم لحظاته بكل التفاصيل ويرى العالم متغيراته وقدوم خبره ومُجريات احداثه عبر المواجهات والترددات النازلة من السماء على اجهِزة ومسامع وانظار العالم في هذا العصر .

وانه يحمل معنى الثورة التي اخبرنا الله به في الآية التي تليها حيث قال تعالى ( ولقد فتنا قوم فرعون ) هُنا فسر الله تعالى لنا معنى الفِتنة في الآية التي تليها ببيان مُفصل ودقيق على لِسان نبي الله موسى حِين قال (ان ادوا الى عباد الله )(ادوا) كان بمثابة شِعار وعِنوان وهدف رئيسي لِثورة تحررية نبوية للخُروج من وضعية الاستِعباد والاحتلال والوصاية الفرعونية على قومه من بني اسرائيل .مفادها اي ارفعوا ايديكم وقهركم وجبروتكم عنا واتركوا بني اسرائيل، وارسلهم مع موسى نبيهم وخلي سبيلهم يا فرعون فالناس ولدتهم امهاتهم احراراً وليسوا عبيدا لفرعون وامثاله.

وها نحن في اليمن وجدنا انفُسنا نسير وفق سياق منهجية الله وآياته وفِطرته في ثورة اردنا ان نمتلك قرارنا لنكون احراراً خارج سيطرة مماليك النفط وقادتهم الامريكان، فواجهتنا نفس تلك الغطرسة والنفسية المتعالية فالعدو واحد.

فمنذ صدح مؤسس ثورتنا بصرخة الحرية وجدنا انفُسنا محاصرين وقتلى امام طُغاة الارض . لكن ارادة الله كانت اقوى من جبروتهم باعثا الله قائداً آخر واصل الثورة مُخاطبا دِول الاستكبار اتركُوا اليمنيين يقرروا مصيرهم . وكفوا عنهم ظلمكم وجبروتكم .واسِتعماركم وبطشكم واتركوا لنا سيادتنا واستقلالنا وحق تقرير مصيرنا .

ولا تستكبروا علينا فلدينا الشرعية الكاملة والحق البين المكفول لامتنا كأي دولة او امة حُرة في هذا العالم كما قال الله تعالى في الآية التي تليها (وان لا تعلوا على الله إني ءاتيكم بسُلطان مبين ) فحقنا في الاستقلال مكفول بكل الشرائع السماوية .

ثم تناولت الآية التي تليها تحذيرهم ان لا يقدموا على قتلهم ورجمِهم .(واني عُذتُ بربي وربكم أن ترجمُون ) كما تفعل اليوم دول العِدوان من قصف وتدمير وقتل براجماتهم وطائراتهم وصواريخهم وقنابلهم علينا. برغم ان قِيادة ثورتنا لم تُجبر احداً على الايمان بشعاراتنا التي نؤمن بها طبقا لنص الآية القرآنية التي تليها.( وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) اي فإن لم تؤمنوا بِثورتنا ومبادئنا فخلوا سبيلنا فنحن غير قاصرين ولسنا بِحاجة الى وصاية واتركونا واعتزلونا فلنا قرارنا وحدودنا وحريتنا .

فإن لم تتركونا نحدد مصيرنا واستمررتم بِعدوانكم علينا فنحن سنستعين بالله عليكم وهذا ما حصل فعلا .

وبالتالي ما قام به الشعب اليمني من النفير والاستعداد للمواجهة والقِتال كان هو الحل الطبيعي، فالعدو المُجرم لن ينثني عن عِدوانه إلا بالصمود والثبات والانطلاق صوب الجبهات، فمهما كان العدو واثقاً من اللحاق بنا وادراكنا واصبحنا متتبعين بطائراته واقماره وشرائحه فليس لدينا خيار إلا السير وفق توجيهات الله وما وعدنا به من النصر والغرق الحتمي للعدو في الرمال والبحار والجِبال واقع لا محالة بِهزيمة مدوية لن يفلت منها وهذا هو وعد الله كما قال تعالى بعد ذلك (فدعا ربّهُ أن هؤلاء قوم مجرمون .فاسر بعبادي ليلا انكم متبعون . واترك البحر رهوا إنهم جُند مُغرقون)

وحقا وصدقاً سيرى العالم تلك الآيات تتحقق وسيرى العالم بأسره كم سيتركون بعد غرقهم وزوالِهم من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم .ونعمة كانوا فِيها فاكهين ..وكيف سيخلف الله على اموالهم وقصورهم قوما آخرين . ممن تكفل الله بِنصرهم وتوريثهم طبقا لقوله تعالى في الآيات التي تليها .(كم تركوا من جنات وعيون . وزروع ومقام كريم . ونعمة كانوا فيها فاكهين .

كذلك وأورثناها قوما آخرين . فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين ) وبالتالي لن يبكي عليهم احد في هذه الدنيا وغير مأسوف عليهم وعلى رحيلهم وهلاكهم ولا هم من المنظرين كأصحاب التاريخ الناصع بل هم اصحاب تاريخ مظلم لن يكون لهم ذكر إلا بكل سوء وقبح .ونهاية مُظلمة حيث وقد بدا تصنيفهم بلغة اليوم كقتلة اطفال مُدرجين (ضمن القائمة السوداء ).

وبذلك ستكون النجاة من نصيب الطرف المظلوم المُستضعف والثائر الذي نجا من العذاب والقتل والسحل والبطش المهين الذى كرسه طِيلة قرون ضد المستضعفين فهو وسيلة الجبابرة في اذلال الشعوب لقصد إهانتهم ثم سحقهم .

كما حصل للكثير ممن عاش بِجوارهم وتحت هيمنتهم. فالجبابرة ينطلقون في اجرامهم وانتقامهم من باب العقاب الاشمل والاعم والافظع بقسوة وجلافة وعظمة وافراط . وفتك وانتقام مُبالغ فيه حتى تصعق منه افئدة المستضعفين والناظرين كما قال تعالى في الآية التي تليها ( ولقد نجينا بني اسرائيل من العذاب المهين . من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ).

وانطلاقا من سنن الله في الابتلاء الحسن للمؤمنين والاختبار على أعلى مستوى من التمحيص ليكونوا في الصدارة في تحملهم للمواجهة والرفض للهيمنة والوقوف امام طغيانهم وقهرهم للشعوب, كانت الصرخة بمثابة هزة عالمية لها تبعات ومسؤوليات وتضحيات .لكنها تأتي في سياق عظمة الاختيار لنا في مقارعة الباطل حيث جعلت انصار الله في الصدارة العالمية من حيث شجاعتهم وتضحياتهم وفي تحملهم لعدوان استخدم اعتى واعظم السلاح والاستهداف بِغارات فاقت الخيال . والتى لم يشهد لها العالم مثيلاً ووضوحا في المظلومية (ولقد اخترناهم على علم على العالمين .وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاغ مبين ).

ومع كل ذلك ترى الكثير من البشر ينظرون لهذه الاحداث من زوايا متعددة وابعاد لا تكاد ترقى الى المسؤولية والتدبر والمصداقية .فهم يرون ان الاحداث عبارة عن لعب ولهو وحركات وتصرفات سياسية بِقصد الوصول الى الحكم او الرئاسة او تضحية في سبيل المصالح .

ويجعلون من كل هذه التضحيات والمظلومية انها عبث وخارج الحق والقدرة الإلهية وما يحصل من انهيارات لمماليك ودول الاستكبار اقتصاديا وعسكريا وطمس لأموالهم وحساباتهم وافراغ لمخازن اسلحتهم الباهظة الثمن والمكدسة منذ عشرات السنين .

ونفاد عقود مشترياتهم التي تفوق الخيال .كل ذلك يعتبرونه في سياق خارج سنة الله وخارج سيطرته وحكمه وملكه وكأنها احداث لا تستدعي الوقوف والعبرة والعودة الى الله .والنظر في استبيان حقيقة المستكبرين .واللحاق بركب وصف ومسيرة المستضعفين الواعين المنتصرين والاحساس بالمسؤولية والنظر الى الاحداث من باب الحق والباطل فقط .كما قال تعالى في الآيات التي تليها ( ان هؤلاء ليقولون … …اهم خير ام قوم تبع والذين من قبلهم اهلكناهم انهم كانوا مجرمين . وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين . وما خلقناهما إلا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون ) نعم فهم بحكم من لا يعلمون عندما يتعاملون مع الاوضاع والتحولات وهذه الحقائق باستهزاء وغيرة…

وبالتالي هناك يوم هو يوم الفصل سيكون مِيقات للناس اجمعين .

وسيدركون كم كانوا مغرورين وان اموالهم وحلفاءهم لن يستطيعوا ان يقدموا لهم نصراً كما هو حاصل اليوم في الدنيا لدول الاستكبار .

وبالتالي فشجرة الزقوم هي اعظم عقوبة للآثمين ومصيرهم الى سواء الجحيم . ثم الصب على رؤوسهم من عذاب الحميم .كل ذلك ليذوقوا وبال امرهم وافتراءهم وكذبهم وتضليلهم وهيمنتهم حين كانوا يزعمون انهم هم الاعزاء الكرماء كذبا وزوراً على الله وعلى انفسهم فهم من استضعفوا الامة وفتكوا بها وقتلوها من اجل نزوتهم وطمعهم واستعلائهم واستكبارهم دون أي وجه حق ..

المصدر : صحيفة الثورة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com