أفق نيوز
الخبر بلا حدود

سورة المنافقون وشركاء الأمس

171

امين عبدالوهاب الجنيد

سنقرأ سورة المنافقون على الأحداث لنستلهم من آياتها معرفة وصفات وطبيعة الشركاء لفهم آليات التعامل معهم من واقع تصرفاتهم وأفعالهم كون هذه الطائفة اليوم تشهد بأن المجاهدين في الجبهات وخاصة المتواجدين في الحدود أنهم أعظم الناس وأصدقهم إيمانا . والله يشهد انهم كذلك عظماء يقارعون الاستكبار . رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه . ولكن شهادتهم مردودة عليهم كونها تدليسا وكذبا ونفاقاً بأفواههم . لم تتجسد في تعاملهم معهم ولم تنعكس على منهجيتهم ولم يترجموها في أي عون أو إرفاد بالمال والأولاد أو حتى بالخطاب والمواقف بل الواقع يشهد عليهم بخلاف ذلك تربصا وتعاونا مع صف الأعداء كما قال تعالي (ِ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[1]
وعبر هذه الشهادة الكاذبة يعبدون الطريق الى قلوب قادة المجاهدين متعهدين لهم بأنهم مع موقفهم وضد أعدائهم متخذين من عهودهم وإيمانهم وتحالفهم الرمزي سترا وغطاء لفعل كل قبيح وإساءة لهم . يتصرفون بكل سوء لتشويه سمعة حلفائهم قبحا وتجريحا وصدا بأعمال لاترضي الله كما قال تعالى ( (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)2
وبرغم أنهم يوما ما كانوا متعاونين وواثقين بهم ويرون فيهم خلاص الباطل من الإخوان وآل الاحمر مثلا على أيديهم .لكنهم سرعا ماأرتدوا على اعقابهم وعلى مبادئهم وسول لهم الشيطان التخابر مع الأعداء وان يطيعوهم في بعض الامر ويرون فيهم المخلص العظيم لهم كما قال تعالى ( (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ)[ 3].
فمعظم قادات هذه الطائفة يملكون من الشكل والأجسام والمظهر والشهادات والتجارب ما يبهر وما يشد الإعجاب .ولهم من الحديث والشهادات والخبرات ما يجعل حليفهم ينصت ويستمع لحديثهم وخطابهم وخبراتهم وفلسفتهم ..ولكن حين البأس وأمام مواجهة الأحداث وبطش الأعداء تراهم كالاخشاب الجامدة لا يقدرون على شيء من تقديم الحلول أو تبني أي خطط للمواجهة أو حتى يشعروا الآخرين أن لديهم مسؤولية. ..بل بالعكس يحسبون كل صيحة عليهم فيصبحوا جزءاً من المشكلة متبنين تهويلها وترويجها بالافك ونشر الإشاعات والميل لما يزيد الوضع سخطا وهما وعذابا. فتصبح معالجتهم للأشكالات جزءاً من المعاناة وفقا لما يريده الأعداء فحكمهم حكم العدو الذي يجب حذره وبالتالي يجب عدم الاعجاب بمظاهرهم والاستماع اليهم وكذا عدم طرح القضايا عليهم أو البحث عن حلول منهم أو الركون إليهم أو اعتبارهم أصاحب مسؤولية كما قال تعالي( (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)4
وبرغم ذلك سيكونون هم المؤمنون إصلاحهم وتحسين أداءهم وتزكيتهم و تغيير نفسياتهم وسلوكهم .لكنهم سيلوون رؤوسهم معرضين ومستكبرين جاعلين من دين الله محل سخرية واحتقار لحامليه. .كما قال تعالى ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) 5]
وبالتالي لا يجدي معهم أي شيء مهما كان تأثيره على أنفسهم فالله غير قابل لتوبتهم كما قال تعالى (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)6
وقد يقول القائل: لماذا لم يغفر الله لهم ! الجواب في الآية التي تليها .لأنهم يسعون ويعملون بكل جهدهم وطاقاتهم لإفقار المؤمنين معتمدين على منهجية خنق الناس ماليا حتي يضجروا ويسخطوا فينفضوا وينقلبوا .كمال قال تعالى ((هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنْفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) 7 وفي هذه الآية توجيهات إلهية للمؤمنين بعدم الركون اليهم وعدم إعطائهم أي مسؤولية مالية أو تعيينهم على خزائن المال أو أي مؤسسات إرادية مهما أعجبتم بهم كما وضح في الآية رقم 4 .فجل سعيهم إفقار المؤمنين وإخفاء أموالهم وضياعها بما يحقق رغبتهم الجامحة في خلق سخط وتذمر في أوساط الأمة كيدا منهم وانتقاما من المؤمنين لذا هم العدو ملعونين فلا يجوز الثقة بهم واعطاءهم ما حذرنا الله منهم بعدم توليتهم على رقاب وأموال الناس .
فجل همهم أن ينفضوا الناس من حول المؤمنين لينقضوا عليهم ويحققوا رغبتهم في استعادة مكانتهم وثرواتهم وعزتهم فسعيهم الى الانقلاب والعودة الى ماضيهم شغفا بسلطتهم وغطرستهم كما قال تعالى ((يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)8 وبالتالي كل تعاونهم وشراكاتهم وخطابهم كان في سياق التربص والعمل على إسقاط وتدمير الآخرين للانقضاض على من أئتمنهم وحالفهم وأعطاهم حقهم وإعادهم لهم ثقتهم بأنفسهم . كل ذلك بسبب ولههم بالأموال والأولاد وفرحهم ولهوهم وشغفهم بذلك . وبهذه الأفعال هم أول الخاسرين في الدنيا والآخرة سوء خسارة أنفسهم أو أولادهم وأموالهم كما قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)9
ولعلاج هذه النفسيات والفئات من الناس هو تشجيعهم على الإنفاق بالمال والاولاد فهي العلاج الإلهي لطمعهم وتزكية انفسهم ليصبحوا أناساً مؤمنين قابلين للتعايش مع الآخرين فينطلقوا صادقين مع الآخرين ومع انفسهم ومع خالقهم فبعد أن تزكى النفوس ستعالج من النفاق .ليصبحوا أناساً صالحين ((وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)[ 10]
نتمنى أن نكون قد وفقنا في ترجمة الأحداث طبقا للنص القرآني والربط من الواقع لنجعل القرآن ينطق بيننا لتستبين طريق المنافقين، فعين على القرآن وعين على الأحداث هي خلاصة نهج المسيرة القرآنية….وصلوات ربي على محمد وآله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com