أفق نيوز
الخبر بلا حدود

قرار ترامب.. وتآمر العرب

142

أحمد يحيى الديلمي

على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي “ترامب” بأن القدس عاصمة أبدية لدولة الكيان الصهيوني وردود الفعل الباهتة للأنظمة العربية تبادرت إلى ذهني الأبيات التالية :

القدس عروس عروبتكم ..

وسمحتم لزناة الليل بدخول حجرتها ..

وذهبتم تسترقون السمع لفض بكارتها ..

يا (….) هل تبقى مغتصبة ..

أطلق هذه الصرخة المدوية الشاعر العراقي المعروف مظفر النواب قبل حوالي أربعة عقود من الزمن وساق في التهكم على القادة العرب ووجه أقذع الشتائم إليهم لشرح حالة الذل والهوان التي أصيبت بها الأمة وفرضت الانقياد الطوعي للرغبات الأمريكية إلى أن قال : “إن حظيرة خنزير أطهر من أطهركم ” التوصيف وسيل الشتائم جعل الأنظمة العربية تحرم دخول الشاعر إلى أراضيها ، وكانت المفارقة العجيبة أن هناك أدباء ونقاد عرب اندفعوا لتشويه صورة الشاعر واتهامه بالكفر والإسفاف والتجرد من الأخلاق والقيم ، لأنهم ارتشفوا رحيق موائد الحكام وأصبحت خزائنهم متخمة بالمال المدنس ، أي أنهم تعاطوا مع صرخة الرجل بأساليب انتهازية قذرة تعمدت إهمال الأفق المستقبلي والبعد التحذيري الذي حملته القصيدة وما جسده من مضمون واضح فضح حالات التآمر على القضية الفلسطينية بخلفية عربية استناداً إلى مواقف الدول الخليجية أو بعض قادتها ممن انزلقوا إلى دهاليز النخاسة ومارسوا العهر السياسي على رؤوس الأشهاد ، وأمعنوا في المتاجرة في قضايا الأمة الأساسية وفي المقدمة قضية الشعب العربي الفلسطيني التي حاولوا محوها من الذهنية العربية وإدخال فلسطين والقدس في دائرة النسيان بعد إشغال المواطن العربي بهموم ومشاكل ذاتية ، بينما الأنظمة تزايد وتجعل القضية في واجهة الأحداث كلما اقتضت حاجتها ذلك ، أو أُجبرت على استهداف نظام آخر إلى أن نجحوا جميعاً في إخراج هذه القضية من دائرة اهتمام الإنسان العربي وتحويلها إلى قضية ثانوية ، فكان القادة العرب هم السابقون إلى تجذير هذه المفاهيم ، وفي المقدمة نظام آل سعود لأنهم من الأساس وقفوا ضد القومية ، وكل دعوة تتبنى لم صف الأمة اعتبروها أفكاراً استعمارية شوفينية تخالف نهج الإسلام بأفقه الأممي وتمكنوا من خلال الأموال أن يجذروا هذه الفكرة في سلوك الجماهير بعد أن تبنت السعودية دعم حركة الإخوان المسلمين وجعلتها رأس حربة لمحاربة أي توجهات قومية أو وطنية ، بحيث وُضعت الأحزاب السياسية والقومية في خانة الكفر والإلحاد ودعت إلى إسقاطها وتصفية أتباعها باسم الدين .

بلغت هذه التوجهات قمة الخطورة على القضية الفلسطينية عندما امتد عنفوانها إلى مفاصل الثورة الفلسطينية ، وبادر عبد الله عزام أحد قادة التيار الجهادي في حركة الإخوان المسلمين إلى تبني دعوة الجهاد في أفغانستان بدعوى أنه جهاد مقدس يُجسد المضمون الإسلامي مقابل اعتبار جهاد اليهود المحتلين للأرض نزعة عبثية واتهام فصائل الثورة الفلسطينية المقاومة للعدو بالإلحادية التي يجب جهادها حتى تعود إلى حظيرة الإسلام لضمان مقومات النصر للعدو المحتل ، هذه الشعارات الزائفة تم استخدامها لتمرير الرؤية الانهزامية بأفقها المتخاذل ، ومن أجلها ضخت السعودية أموالاً كبيرة للأنظمة العربية حتى استمالت الحكام ، ومكنت فروع حركة الإخوان من فرض قوة حضورها وتمرير خياراتها التي من أهمها تصفية المكونات السياسية الأخرى والتنكيل بأعضائها والزج بهم في أقبية السجون .

في هذا الأفق التآمري توالت الانتكاسات وتم اختزال القضية المركزية للأمة العربية في الشعب الفلسطيني فقط ، بينما القادة العرب يثيرون الفتن ويذكون الصراعات بين المنظمات والمكونات الفلسطينية بهدف تثبيط الهمم وإجبار الفلسطينيين على الاستسلام والقبول بالحلول الانهزامية على غرار الدور المشبوه للسعودية وقطر وحلقات الوساطة التي قامت بها الدولتان كلما احتدم الخلاف بين الفصائل وكانت المفارقة أن جميع الوساطات فشلت ووصلت إلى طريق مسدود بما في ذلك اجتماع مكة المكرمة بإشراف السعودية ، فقد تنبهت حركتا حماس وفتح إلى السيناريو الخطير الذي رسمته السعودية وكان يقضي في النهاية بتصفية القضية ومنح تفويض مطلق لحكام آل سعود بأن يتفاوضوا باسم الشعب الفلسطيني ، ما جعل المنظمتين ترفضان مثل هذه الوساطة في حين أن السعودية كانت تعتبر حماس في صفها ، كونها فرعاً من فروع الإخوان المسلمين والحركة برمتها تخضع للإرادة السعودية ، إلا أن الطلب المشبوه أفزع القادة الفلسطينيين ، ولكي يخرجوا من المأزق تمت الموافقة على ما سمي بمبادرة السلام التي أطلقها الأمير عبدالله ولي عهد السعودية آنذاك ، وكانت المقدمة التي حولت المسعى إلى مبادرة عربية أقرتها قمة بيروت عام 2002م مع أنها قوبلت باستخفاف ورفض مطلق من دولة الكيان الصهيوني ، وتعاطت معها أمريكا بنفس المستوى من الفتور ، وهي في الأصل مبادرة أمريكية صاغها “بيرجنسكي ” مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك وسلمها للسعودية كي تتبناها لتأمين زعامتها السياسية على الأمة العربية بعد أن تصدرت الجانب الديني ووظفت فائض رأس المال في شراء صمت الأنظمة العربية أو تقويض أي نظام يرفض الخنوع لنفس الفكرة الانهزامية .

هنا فقط تتضح العلاقة المباشرة بين أمريكا والسعودية ودورهما في إنشاء وتشكيل الجماعات الإرهابية ، فقد قامت أمريكا بالتدريب والتأهيل ، بينما تحولت السعودية بفكرها الوهابي الانعزالي المتطرف إلى حاضنة فكرية ومصدر لضخ الأموال، ومن ثم وجهت هذه الجماعات إلى البلدان الأصلية لتهديد الأنظمة أو تقوضيها إن هي مانعت أو رفضت السير في فلك السعودية ، فكانت هذه الجماعات قادرة على قض مضاجع الأنظمة وتهديد وجودها ، كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن ، وأهم شيء ركز المسعى عليه التغاضي على القضية الفلسطينية كي تتمكن ما تسمى بدول الاعتدال من إخضاع الشعب الفلسطيني للقبول بأي تسوية ، وعلى هذا الأساس كان الأمير الغر محمد بن سلمان أول من بادر لدعوة الرئيس الفلسطيني وعرض عليه القبول بعاصمة أخرى غير القدس للفلسطينيين كتمهيد للخطوة التالية ، أي أنه رسم سيناريو النهاية ومكن الرئيس الأمريكي “ترامب” من إعلان قرار القدس عاصمة أبدية لدولة الكيان الصهيوني ، بمباركة وتأييد دول الاعتدال المؤيدة للسياسة الأمريكية ، وهنا يتضح الدور المشبوه للقيادات العربية السائرة في فلك أمريكا التي كانت ردود فعلها إزاء القرار الأمريكي هزيلة جداً ولم ترتق إلى أي مستوى من مستويات الرفض.

وهنا يكفي أن نُشيد بموقف رئيس كوريا الشمالية “جونغ كيم إل” الذي قال: متى أصبح الكيان الصهيوني دولة حتى تكون له عاصمة ، بالله عليكم ما أعظم هذا الموقف من رجل لا علاقة له بالإسلام ولا بالعروبة إنه فعلاً موقف إنساني يجب أن يعتز به كل عربي ، وأياً كانت المؤشرات وحقيقة المواقف العربية المساندة لأمريكا فإن المقاومة والنضال هما خيار وحيد أمام الأمة لاستعادة الحقوق المسلوبة وتحرير الأرض من العدو الصهيوني الغاصب ، وقبل ذلك تحرير الأراضي المقدسة في نجد والحجاز من دنس آل سعود المتماهين مع دولة الكيان الصهيوني ، يكفي إهانات واستخفافاً بمشاعر العرب والمسلمين ، يكفي رهاناً على قادة سقطوا في وحل الخيانة والتآمر ، لا بد أن تعتمد الأمة على الله وتستمد منه النصر .. فهو تعالى نعم المولى ونعم النصير .. والله من وراء القصد ..

صحيفة الثورة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com