أفق نيوز
الخبر بلا حدود

الطبقة الوسطى في المجتمع.. تتآكل بفعل فشل سياسات الحكومات المتعاقبة

169

تقرير / رشيد حداد

الطبقة الوسطى في المجتمع.. تتآكل بفعل فشل سياسات الحكومات المتعاقبة كشــفت دراســة أمريكيــة أن نظــام الرئيــس الســابق عــلى صالــح رســخ منظومة فســاد مالي وإداري في الدولة ليــس لها مثيل وقــام بتطبيق معادلة مختلــة زاوجت بــني القبيلــة والدولة لتحقيق مصالحه.

مشــيرة إلى أن تلك المعادلة مكنت النظام من بناء شــبكة فساد واسعة النطاق سياسية ومالية طيلة 33 عاما. وقالت الدراســة التي نفذتها وكالة التنمية الأمريكية: إن صالح اســتغل موقعــه كرئيــس للســلطة التنفيذيــة لبنــاء شــبكة علاقــات مــع القبائــل والموالــني له منذ توليه الســلطة نهاية الســبعينيات لتقاســم كعكــة مــوارد الدولة وجعــل جزءاً كبيراً منها يذهب لبناء شــبكة مــن التحالــف التجاري والمالي والعســكري مع تلــك القوى في حــني لــم يحصــل النظــام التعليمي والصحي ســوى على اقل من 5 % من موازنة الدولة.

وحســب الدراســة فقد دأب صالح على التغني بعلاقته الوثيقة بالقبائل اليمنيــة ولكن الحقيقية انــه لم يقدم لقبائــل اليمن شــيئاً يذكــر إذ اقتصر دعمه للمشــايخ الموالــني له فقط وهم يمثلــون اقل من 01.0 % من الشــعب اليمني .

وجاءت الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة لــه لتلعب دوراً هاماً عكســت فيــه مصالــح القبيلــة، وبــرزت طبقة برجوازيــة قبليــة متطفلــة تتكل على العقــود الرســمية، وعلاوة عــلى ذلك اســتحوذت على موارد البلاد للكسب الخــاص.

خصوصــا بعــد الوحــدة اليمنيــة عــام 1990 ،ومــا بعــد حرب 1994م حيث تم تعزيز شــبكة الفساد الثلاثي بني الرئيس ومشــايخ القبائل وقــادة الجيــش المتفرع منهمــا وتمت الهيمنة على موارد الدولة بالكامل.

وتشير الدراســة إلى ظهور منظومة جديــدة من الفســاد الكبــير في العقد الأخــير من حكم صالح حيث ازدهرت في ظله مزيج من المؤسسات الرسمية الضعيفة وتركيبة النخبة المقسمة.

وفي ظل غياب المؤسســات الرسمية القويــة في البــلاد، تكاثــرت شــبكات المصالــح غــير الرســمية. وبالطبــع، شــلت شــبكات المصالح هــذه قدرات مؤسســات البــلاد الضئيلــة أصــلا. حيــث تــم مكافئــة الموالين لهــا، واسترضاء النخب الأخرى عن طريق منافــع المكافأة الكبــيرة مقابل الهدوء السياسي. وأكدت الدراســة أن تمويل شــبكة الفســاد الصالحي كان يتم من الرثوة النفطيــة حيث أنها المصــدر الرئيسي لمكافأة المواليني لها.

مشــيرة إلى أن حقيقــة نفــاد ثــروة اليمــن النفطية والحديــث عنه نهاية العقــد الأول مــن القــرن الحــادي والعشرين أي منذ عــام 2009م جعل الشبكة المعتمدة على منظومة الفساد تتفــكك فالمخــاوف مــن نفــاد الــرثوة النفطيــة بعــد عقــد من الزمــن جعل المنظومــة تشــير إلى عــدم اســتدامة التركيبة الحالية للفساد مما حدا بهم كما يقول الخــبراء لفض الشراكة عام 2011م كما فعل علي محســن كممثل للجناح العسكري وبيت الأحمر أحد الأجنحة القبلية للنظام.

وأوضحــت الدراســة خمــس فئات نخبوية رئيسية استفادت من تركيبة الفســاد في اليمــن أبان نظــام صالح، وأهمهمــا، وهمــا في ذات الوقــت أكــرث الفئــات تداخــلا: القبائل والمؤسســة العســكرية والأمنيــة. فيســتحوذ زعمــاء القبائل الرئيســية على حصة الأسد من المناصب العليا للضباط في الجيــش والأمن. ويســتحوذ الجيش عــلى مصفوفة واســعة من الأنشــطة التجاريــة بعضهــا قانونــي والبعض الآخر خارجة عن القانون.

أمــا ثالــث هــذه الفئــات النخبوية القوية فهــو مجتمع رجــال الأعمال، التقليــدي غــير القبــلي، والذيــن كان لهــم دور بارز في الاقتصاد الســياسي الجديــد.

ولكــن ركودهــم النســبي ونظرتهم المتشــائمة لمســتقبل اليمن دفــع بعــض رجــال الأعمال لمغــادرة البــلاد.

هــذا بالإضافة إلى نمــو طبقة برجوازية قبلية متطفلة في الســنوات الأخيرة، تحصل على دخلها، بشــكل عمــلي، مــن العقــود الرســمية التــي يحصلــون عليها، في الغالــب، في ظل ظروف فاسدة. وتقــول الدراســة: إن نظــام صالــح اعتمد عــلى أربع آليات أساســية يتم من خلالها توزيــع المصالح الكبيرة في اليمــن، وتعتبر الموازنــة العامة إحدى هذه الآليات. فتحتوي الموازنة العامة على مخصصات مستقلة للجماعات المفضلة، مثــل القبائل، كما تخصص موارد ضخمة للجيــش من خلال بند مســتقل في الموازنة. ولا يتمتع البرلمان بسلطة مراقبة هادفة للموازنة، حيث انه، في كافة الأحوال، ليس له من الأمر إلا التصويت لصالــح أو ضد الموازنة. وتكمن إدارة الموازنة من قبل الســلطة التنفيذية، والذي يتم بشــكل أساسي عــبر وزارة الماليــة. وبســبب الطريقة التــي تتخذهــا الحكومــة في التكهــن بعوائــد الإيــرادات النفطيــة، تكــون الموازنــات الإضافيــة في نهاية الســنة المالية كبيرة وتقديرية بشكل كلي.

أمــا الآليــات الثــلاث الأساســية الأخــرى لتوزيع المصالــح فهي نظام المناقصــات، والمؤسســة العســكرية التجاريــة، وحــزب المؤتمــر الشــعبي العــام.

ورغم أنه تم الــشروع في اتخاذ إصلاحــات في عمليــة المناقصات، إلا أن المناقصــات كانت تتــم حديثا، وفي الغالــب، دون أي عــروض تنافســية مفتوحــة، وبقليــل مــن الشــفافية والمســاءلة. فمــن الممكــن أن تصبــح عمليــة العطــاءات طريقــة ســهلة لمكافأة الحلفــاء المفضلني، عن طريق منحهــم عقوداً مربحة. وبالإضافة إلى الموازنــة العامــة، يتــم مكافــأة النخب العســكرية ماديا من خلال سيطرتها عــلى مشــاريع تجارية واســعة.

وتعد ظاهــرة “الجنــود الوهميين” مــن المصــادر الأخرى المخصصــة للنخب العســكرية، والتــي يتــم إعــادة بيــع التمويــن الخــاص بهــا، كمــا تشــير التقاريــر. كمــا يقــوم حــزب المؤتمــر الشــعبي العام بتوزيع الموارد للنخب المحلية والنخــب الأخرى لإبقائهم في الحظيرة السياسية. تعــد الطبقــة المتوســطة بمثابــة الركيــزة الأساســية للنظام الاقتصــادي اليمني، فهي مصدر استقراره والقوة المحركة لتقدمه، وعلى الرغم مــن ضعف الطبقة الوســطى في اليمن، إلا أن هنــاك الكثير مــن العوامــل ذات الطابع الاقتصادي والســياسي، أدت إلى تآكل الطبقة الوســطى في البــلاد لصالــح اتســاع الطبقات الفقيرة والمعدمة. الأزمــات السياســية والاقتصاديــة التــي عاشتها اليمن قبل ثورة الواحد والعشرين من ســبتمبر 2014م، تسببت في الارتفاع المتصاعد لأسعار الغذاء ونفقات الإعاشة وارتفاع تكلفة الخدمــات والوقــود وميــاه الــشرب والــصرف الصحــي، وارتفاع أســعار الغاز المنــزلي مقابل ثبــات المعدل العــام للمرتبــات والأجــور، كما ساهم تآكل القيمة الشرائية للعملة الوطنية في تدهور معدل الدخل مما أدى إلى عدم تماسك الطبقة الوسطى لصالح الطبقات الاقتصادية الأخرى.

وحسب دراســة أعدها الباحث الاقتصادي إســماعيل هاشــم من المركز اليمني لدراسات الدخل عــن الطبقة الوســطى في اليمن خلال الفــترة 2010ـ 2015م، فــإن تراجــع الطبقــة الوسطى في اليمن مؤخرا يعود لسببني الأول:  ارتفــاع أســعار الســلع والخدمات منــذ العام 2011م وتدنــي قيمة أجور العمــل وفقدانه في العام 2015م جراء الوضع السياسي والحروب والعدوان الخارجي والصراع على السلطة.

وعــزت الدراســة التدهــور الــذي طــرأ على حجم الطبقة المتوســطة إلى فشــل الحكومات منــذ 2010م بإحــداث أي تحســن في الأوضاع المعيشية أو معدلات الدخل، وأشارت الدراسة إلى أن الحكومــات اليمنية المتعاقبة فشــلت في تنفيذ سياســات الإصــلاح الاقتصــادي التي طبقــت منذ منتصــف التســعينيات وفي وقف تدهــور حجــم الطبقة المتوســطة مــن منظور الدخــل، وأفــادت الدراســة بــأن الاختــلالات الاقتصاديــة الهيكليــة المزمنــة التــي ســادت قبــل تطبيق سياســات الإصــلاح الاقتصادي 1996م أضعفــت الطبقــة الوســطى في اليمن، كما أكــدت أن الأحداث التي مر بها اليمن منذ العــام 2011م نتيجــة للصراعات السياســية، وتفاقم المشــكلات المعيقــة للاقتصاد كالإرهاب والتفجيرات التي طالــت أنابيب النفط والغاز وشبكات الكهرباء والاغتيالات السياسية أدت إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في البلاد وهــروب الــشركات الأجنبيــة ورؤوس الأمــوال للخارج مثلت ضربة قاصمة لهذه الطبقة.

ولفتــت الدراســة إلى أن حجــم الطبقــة المتوسطة في الجمهورية اليمنية حسب نتائج مسح ميزانية الأسرة 2006م، كان يمثل حوالي  34 .48 % من إجمالي عدد الأسر في الجمهورية منها 8,28 % في الحــضر وحــوالي2.71 % في الريــف، فيما وصــل خلال النصــف الأول من العــام قبــل الماضي بين 12-8 % فقــط بعد أن تراجــع الدخل إلى أقل مــن 39 % من معدلات الدخل السابقة.

معيار الدخل والانفاق وبينت الدراســة النوعية محــددات الدخل بحسب مصادر الدخل المختلفة، حيث أكدت أن نســبة الأجــور والمرتبات تمثل أكبر نســبة مــن إجمالي الدخــل حيث ينتــشر أفرادها بني المجتمــع ويحصلون على دخــل مرتفع نتيجة أعمالهــم والتــي تبلــغ 43 ،% يليهــا عائــدات أنشــطة الأعمال الخاصة وإنتاج الأسر 31 % ليظهر مدى مســاهمة القطــاع الخاص كأحد القطاعات الأكرث أهمية في دخل الأسر اليمنية.

وبحســب معيــار الإنفــاق الاســتهلاكي ومستوى الرفاهية حسب نتائج مسح ميزانية الأسرة 2006م وهــي النتائــج التي كشــفت أن نســبة الأسر في الطبقة المتوسطة تمثل حوالي 3.54 % من إجمــالي عدد الأسر في الجمهورية وتبلــغ نســبة إنفاقهــا 72.41 % مــن إجمــالي الإنفاق.

الإنفاق على الغذاء وفق معيار الإنفاق أكدت الدراســة انخفاض حجــم الطبقــة المتوســطة مــن 7.61 % عــام 2001م إلى7,54 % عــام 2010م، فيمــا قــدرت مطلــع العام 2015م بـــ 12 % فقــط، وأظهرت مقارنة الأهمية النسبية للإنفاق على مجموعة الســلع الغذائيــة وغــير الغذائيــة انخفــاض الأهمية النسبية للســلع غير الغذائية وارتفاع الأهمية النسبية للسلع الغذائية، لأن المجتمع يخشى أن يحــدق به الجوع ولم يعد قادرا على شراء الســلع غير الغذائية باســتثناء وســائل الوقود والطاقة الشمسية فقط.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com