ظهر في فيديو صادم يذبح أسرى.. قصة داعشي أمريكي تبوأ منصباً نادراً ما يتقلده المقاتلون الأجانب في التنظيم
يمانيون – متابعات
تغرق تحقيق عامين من الزمن، حتى يلقي الضوء على واحد من القلة القليلة من الأميركيين الذين تقلدوا مناصب عليا في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، فضلاً عن الديناميكيات المتعلقة بالتطرف.
زلفي خوجة هو أحد الأميركيين الذين إذا بحثت عنه في شبكة الإنترنت، ستجد أدلة على أنه امتلك خططاً شريرة، وأنه لم يكن مجرد مقاتل عادي انضم كغيره من المقاتلين الأجانب إلى تنظيم داعش، وفقاً لما ذكرته مجلة TheAtlantic الأميركية، السبت 13 يناير.
من أميركا إلى سوريا
وخوجة هو نجل صاحب محل بيتزا ألباني أميركي من نيوجيرسي، وقد ظهر في فيديو دعائي لتنظيم “داعش”، أثناء قطعه لرؤوس جنود أكراد أسرى، وفقاً لما أفاد به العديد من مسؤولي إنفاذ القانون. وإذا كان المسؤولون على صواب بشأن هويته، يعد خوجة أول أميركي عضو في تنظيم “داعش” عُرف بقطعه لرؤوس الأفراد في مثل هذا الفيديو.
وأشارت المجلة الأميركية إلى أنه في الوقت الحاضر، يُعرف خوجة بتحوله إلى قائد بارز في التنظيم، وواحد من أبرز الوجوه التي يستخدمها داعش للترويج لنفسه في الدول الغربية.
غادر خوجة الولايات المتحدة، في أبريل/نيسان سنة 2015، ليصل بعد أربعة أيام إلى معسكر تدريب تابع لـداعش في سوريا بعدما عبر تركيا، وفي غضون ستة أشهر فقط، ظهر خوجة في ذلك الفيديو المروع.
وتكشفت مزيد من التفاصيل حول حجم المشاركة الأميركية في المناصب العليا للتنظيم، ودور شبكات التجنيد والتعبئة في البلاد، وهنا يبرز اسمان أيضاً هما جون جورجلاس، وعبدالله رامو بازارا، اللذان كانا جزءاً من شبكات متطرفة على نطاق أوسع في الولايات المتحدة، ووصلا في نهاية المطاف إلى مناصب رفيعة المستوى ومؤثرة نسبياً في التسلسل الهرمي لداعش.
وخلال مايو/أيار سنة 2017، أصدر داعش مقطع فيديو يحمل عنوان “سنرشدهم بالتأكيد إلى طرقاتنا”. ويتضمن مقاتلين أجانب من بلدان عدّة. وكان واحد من الرجال الملثمين الذين شملهم المقطع أميركياً، يُعرف باسم “أبو حمزة الأميركي”، الذي هاجم جهود أميركا ضد التنظيم، وحثَّ “الموحدين” في أميركا على شنِّ هجمات هناك.
وخلال تحقيق دام لسنتين عن مجموعة الأميركيين الذين نجحوا في السفر إلى سوريا والعراق للانضمام إلى التنظيم، كشفت السجلات الفيدرالية أن أبو حمزة الأميركي ليس سوى زلفي خوجة.
قيادي بارز في داعش
وبالتزامن مع إصدار مقطع الفيديو، كانت وزارة العدل الأميركية تحاكم العديد من أنصار داعش داخل الولايات المتحدة، الذين يُزعم أنهم ساعدوا خوجة في سفره للانضمام إلى التنظيم. وقد حُكم على أحد هؤلاء الأفراد، وهو ديفيد “داوود” رايت، خلال ديسمبر/كانون الأول 2017، بالسجن لمدة 28 سنة في السجن الاتحادي بعد إدانته بتقديم الدعم المادي للتنظيم والتآمر لقتل مواطنين أميركيين.
وكنتيجة على الأدلة التي قُدمت خلال محاكمة رايت، بات عدد من التفاصيل حول خوجة متوفراً، على غرار العلاقات التي جمعته برايت والمتآمرين معه، فضلاً عن دوره في تنظيم الدولة.
وتقول السلطات الأميركية إن خوجة “قائد بارز في داعش”، بيد أن المستندات لا تقدم مزيداً من التفاصيل عن دوره أو مكان وجوده الحالي. ومع ذلك، كان يشير مقطع الفيديو، الصادر في مايو/أيار سنة 2017، إلى أن خوجة موجود في شمال غرب العراق.
وتعد حالة خوجة المثال الوحيد إلى الآن، الذي أكدت فيه الحكومة الأميركية الاسم (والمواطنة الأميركية) لعضو في داعش، فعلى الرغم من ظهور عدد من الأميركيين في أشرطة الفيديو الدعائية للإرهابيين على مرِّ السنين، إلا أن أجهزة إنفاذ القانون نادراً ما تعلق على هويتهم، علاوة على ذلك، لا تعلن الحكومة غالباً عن تقييماتها لدور أو رتبة أعضاء تنظيم الدولة الأميركيين.
وتضع مكانة خوجة الواضحة في تنظيم الدولة الرجل في فئة النخبة من الأعضاء الأميركيين في التنظيم، الذي ارتقى إلى مستوى القيادة.
وقالت مجلة “ذي أتلانتك” إنها بذلت محاولات متكررة للحصول على المزيد من المعلومات بشأن خوجة من القنوات الرسمية. لكن ممثلاً عن مكتب النائب العام الأميركي في ماساتشوستس رفض الإدلاء بأي تعليق، تماماً مثلما فعل المكتب الوطني لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
أساليب للتجنيد
ولا يُعرف سوى القليل عن خلفية خوجة الشخصية، حيث إن البحث عن نشاطه على شبكة الإنترنت يظهر حساباً على تويتر يحمل اسمه، وتفاعل من خلاله مع أنصار آخرين لداعش والمعارضين له، على حد السواء.
وعلاوة على ذلك، يكشف حضور خوجة في أماكن أخرى على شبكة الإنترنت عن روابط لكيفية تواصله مع المتآمرين معه مستقبلاً. ويظهر حسابه على موقع الألعاب “ستيم” ويحمل اسم المستخدم “خوجة 77” قوائم ألعابه المفضلة، بما في ذلك “سبلينتر سيل”، “ومورتال كومبات” “وليفت 4 ديد”.
وترجح “ذي أتلانتك” أن تكون ألعاب الفيديو هذه إحدى الوسائل التي يستخدمها خوجة للتواصل مع أنصار داعش، حيث يتضمّن الدليل التوجيهي لداعش، الصادر في سنة 2015،
والمُوجه لأنصاره من الغرب تحت عنوان “كيف تبقى على قيد الحياة في الغرب”، إشارات إلى ألعاب الفيديو كوسيلة للتدريب للانضمام إلى التنظيم.
وتظهر سجلات محكمة أميركية أنه قبل رحيل خوجة إلى داعش، قام رجل يدعى داوود رايت بتقديمه لعمه أسامة رحيم، وهو مناصر أميركي آخر للتنظيم، وبدآ معاً في مساعدة خوجة للاستعداد للسفر في ربيع سنة 2015، وقد قام الرجلان بجمع المال لشراء تذكرة طيران إلى تركيا لينتقل منها إلى سوريا.
وأظهرت سجلات المحكمة أيضاً أن خوجة ظلَّ على اتصال مع رحيم طوال رحلته عبر رسائل مشفرة مختلفة، ليؤكد وصوله إلى منزل آمن، ومن ثم انقطع الاتصال بينهما بعد أن قال إنه مغادر للتدريب.
من جانبه، واصل رحيم متابعة نشاط خوجة من خلال عضو آخر في داعش كان قد تواصل معه، مستخدماً الرسائل المشفرة، وقد عُرف هذا الشخص باسم “جنيد حسين”، وهو عضو بريطاني بارز ووسيط في تنظيم الدولة، ومخطط للهجمات الافتراضية.
وفي حديث لاحق، كشف حسين ورحيم عن موقع خوجة ومكان وجوده، حيث قال حسين إنه يتدرب في معسكر لداعش، مما يشير إلى أن حسين قد ساعد خوجة على عبور أراضي التنظيم.
وفي سياق آخر، قرَّر رايت ورحيم وعضو ثالث في التنظيم يدعى “نيكولاس روفينسكي” أن يسلكوا في نهاية المطاف طريقاً يختلف عن تلك التي اتخذها خوجة.
وكان ثلاثتهم في المراحل الأولى من مؤامرة اختطاف وقتل الناشطة المعادية للإسلام، باميلا جيلر، عندما تم إيقاف رحيم، في الثاني من يونيو/حزيران سنة 2015، من قبل الشرطة، خارج صيدلية “سي في إس” في روزليندال في ماساتشوستس. وقد أرادت الشرطة استجوابه بعد التنصت على محادثة دارت بين رحيم ورايت في ذلك الصباح، التي ناقشوا أثناءها خطط الهجوم.
ورفض رحيم التعاون، وقام بسحب سكين صيد في وجه الضباط وتم قتله بالرصاص. وبعد ذلك بوقت قصير، تم إلقاء القبض على رايت وروفينسكي وأُتهما بمجموعة من الجرائم في سنة 2016.
وبحسب مجلة “ذي أتلانتك” تم تصوير رحيم عند وفاته على أنه مجرد “ذئب منفرد” ومناصر آخر غير مؤهل لداعش، ليس له أي ارتباط جدي بأي من أعضاء التنظيم في العالم الحقيقي.
الإنترنت يُساعد داعش
وتساعد قضية خوجة في توضيح ديناميكيات التطرف والتجنيد في الولايات المتحدة، ومدى مشاركتها في نشاط الجماعات المتطرفة. وباعتبار أن الإنترنت يمثل أداة مهمة للمتطرفين، يجب عدم الاستهانة بدور الشبكات الشخصية والاجتماعية في تسهيل النشاط المتطرف.
تجدر الإشارة إلى أن الشبكة الداعمة لخوجة قدمت الدعم المالي واللوجستي، وذلك من خلال تمويل سفره وربطه بوسيط رئيسي لداعش في سوريا. وتظهر محادثات رايت ورحيم مع خوجة كيفية حصوله على الدعم المعنوي والأيديولوجي اللازم الذي كان يحتاجه أثناء رحلته من نيوجيرسي إلى نينوى.
وقد أصبح من الواضح والمثير للدهشة أيضاً أن هذا العدد الصغير من أعضاء داعش في الولايات المتحدة تمكنوا من إقناع قيادات التنظيم بما فيه الكفاية حتى يتم منحهم أدواراً أكبر.
ولا يزال من النادر أن يتقلد المقاتلون الغربيون مناصب أهم من مجرد جنود مشاة، أو في بعض الحالات دعاة، لأنهم لا يمتلكون تجربة في ميادين القتال أو المهارات الأخرى المطلوبة للارتقاء للمناصب العليا.
ولكن في قضية زلفي خوجة، تمكن الشاب الأميركي، الذي يبدو أنه عديم الخبرة، من التفوق، وتم تقديمه في دعاية التنظيم كأحد واجهاته الغربية. ومن غير الواضح كيف حقق خوجة هذا النجاح، على الرغم من أنه قد نال إعجاب قادته بفضل رغبته الواضحة على ما يبدو في المشاركة في الأعمال الوحشية التي تتمثل في قطع رأس جندي من الأعداء.
الذئاب المنفردة
وغالباً ما يتميز حضور داعش في الولايات المتحدة بما يُعرف “بالذئاب المنفردة”، أي منفذي الهجمات الذين يدعون الولاء للتنظيم، ولكنهم يظهرون صلات رسمية قليلة إما مع نشطائه في الخارج أو غيرهم من الأميركيين الذين يتبنون التفكير ذاته.
ويعتبر حجم هذه الشبكات غير قابل للمقارنة مع تلك الموجودة في أوروبا، إلا أنها تلعب مع ذلك دوراً حاسماً في تجنيد وتعبئة المقاتلين الأجانب الأميركيين، الذين يبلغ عددهم العشرات، ويعتمد هؤلاء على الإنترنت كوسيلة رئيسية للتواصل خدمة لداعش.
لكن مع الاختفاء السريع للتنظيم على أرض الواقع، خصوصاً في سوريا والعراق، تتحدث وسائل الإعلام عن عودة بعض مقاتلي التنظيم إلى بلدانهم، فيما يتوارى آخرون عن الأنظار قبل أن يتخذوا خطوتهم التالية.
ويثير هذا الأمر قلق مسؤولي إنفاذ القانون الذين يفتقرون أحياناً إلى الموظفين والأدوات القانونية لمعالجة هذه المسألة. ومع ذلك، ما زالت “موجة” المقاتلين الأجانب الغربيين العائدين حالياً، التي لطالما أثارت المخاوف، تعتبر متقطعة. لكن، يمتلك المجندون الغربيون في داعش تأثيراً على المتعاطفين معهم في بلدانهم، حتى وإن كان ذلك من بعيد.
ويمثل أعضاء التنظيم الأميركيون رفيعو المستوى والمتمكنون تهديداً فريداً، ذلك أن هذه الفئة غالباً ما تعمل كنواة لشبكات إرهابية، مستخدمة صلاتها ونفوذها للمساعدة في التجنيد والتخطيط للهجمات في بلدانهم. ولحسن الحظ -تقول مجلة ذي أتلانتك- غادر حتى الآن عدد قليل جداً من الأميركيين تنظيم الدولة وعادوا إلى منازلهم.
وأعرب أغلبيتهم عن خيبة أملهم الواضحة من التنظيم، وهم الآن يخضعون للمحاكمة من قبل الحكومة الأميركية. وقد يكون عدد القادة الأميركيين في تنظيم الدولة محدوداً، لكن مسار المجموعة يبين أن أعداداً صغيرة يمكن أن تسبب أضراراً جسيمة.