منطقة الخليج جمر تحت رماد .. من سيفجر القنابل الموقوتة؟
يمانيون – متابعات
نشر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام مطلع العام 2017 تقريراً تحدث عن أن سباق التسلح في العالم بلغ في فترة 2012 – 2016، مستويات قياسية لم تسجل منذ فترة الحرب الباردة، مشيراً إلى أن المملكة العربية السعودية حلّت في المرتبة الأولى عربياً، والثانية عالمياً في استيراد الأسلحة بنسبة وصلت إلى 212 في المئة، أما قطر فقد ارتفعت نسبة استيرادها للأسلحة خلال السنوات الخمس الماضية إلى 245 في المئة.
قطر دخلت سباق التسلّح
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد نشرت دراسة أجراها الكونغرس الأمريكي في ديسمبر 2106 أن الولايات المتحدة وقعت خلال العام 2015 صفقات تسليح بقيمة 40 مليار دولار، بما يعادل نصف مبيعات الأسلحة حول العالم برمته، وتصدّرت قطر رأس قائمة مستوردي الأسلحة بصفقات سلاح وصلت قيمتها إلى 17 مليار دولار، وتلتها مصر بصفقات بلغت قيمتها 12 مليار دولار، في حين حلّت السعودية في المركز الثالث مع صفقات قيمتها 8 مليارات دولار، أي أن هذه الدول الثلاث دفعت لوحدها 37 مليار دولار!
ومطلع العام 2018 أبرمت واشنطن صفقة مع الدوحة بقيمة 1.1 مليار دولار، تتضمن توفير خدمات لوجستية وصيانة لطائرات مقاتلة من طراز “F 15” اشترتها قطر من الولايات المتحدة الأمريكية منتصف حزيران/ يونيو 2017 وبلغت قيمتها 12 مليار دولار، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان السعودية والبحرين والإمارات قطع علاقاتها مع قطر واندلاع الأزمة الخليجية التي لا تزال تستعرّ حتى اليوم دون ظهور أي مؤشر على معالجتها، بل إن الأمور تتجّه إلى التأزّم أكثر وقد تتخذ ابعاداً غير سياسية لا سيما مع تأجيج الخلافات وظهور عناصر تعقيد جديدة لا تبشر بالخير وتنذر بعواقب وخيمة قد تؤدي إلى تفجير الوضع برمته في منطقة الخليج.
صواريخ روسيا في قطر
وليست الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تستقطب سعار التسلّح الخليجي، فإن قطر، وأيضاً تركيا ومصر، سعت للحصول على منظومة “إس- 400” للدفاع الجوي من روسيا، وهو ما لم تعترض عليه واشنطن باعتباره قراراً سيادياً، وستشمل الصفقة التزوّد بتكنولوجيا للقوات البرية وفق ما تحدث عنه كل من وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني والسفير القطري لدى موسكو فهد بن محمد العطية، وكان من شأن هذا الإعلان أن يثير حفيظة الرياض، التي كانت أبرمت اتفاقاً مماثلاً مع روسيا خلال زيارة الملك سلمان إلى موسكو أوائل أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، ولكن مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي قلّل من أهمية الأمر، ووصل إلى حد التهكّم بالقول: “في أي مكان سينشرونها؟ في إشارة إلى الحجم الصغير لمساحة الإمارة القطرية.
عين الرياض على غاز الدوحة
عشرات المليارات من الدولارات تُصرف على التسليح ومئات الصواريخ وعشرات الطائرات الحربية فضلاً عن مئات الدبابات والآليات وناقلات الجند وأطنان من الذخيرة ومثلها من الأدوات واللوازم اللوجستية، باتت تعجّ بها منطقة الخليج، وكأن العالم يتجه إلى حرب تدور رحاها على أرض الدول الخليجية التي أصبحت على فوهة بركان في ظل الأزمات والخلافات التي تعصف بها على مختلف الصعد، وأمريكا وروسيا تملأ خزائنها بالمال وتشحذ مصانعها لتوريد السلاح والسلاح وفقط السلاح، فإلى أين؟! وما الهدف؟!
منذ أقل من عشرة أيام عرض متحف اللوفر في أبو ظبي خارطة لمنطقة الخليج خلت من دولة قطر، وظهرت حدود سلطنة عُمان منتقصة من خلال ضم محافظة “مسندم” إلى الإمارات، ونشبت إثر ذلك خلافات سياسية واتهامات متبادلة اشتعلت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما دفع السلطات الفرنسية إلى الاعتراض، وجاء التوضيح الإماراتي أن ما جرى هو “هفوة غير مقصودة” !! ولكن هذا التبرير ليس هفوة بقدر ما هو استباق لما كان يُرسم للمنطقة، بدءاً من 5 يونيو / حزيران 2107 وحتى اليوم، ويقضي بمحو قطر عن الخارطة وإعادة تشكيل جغرافيا الخليج بشكل جديد، ولهذا الأمر الكثير من الأهداف والغايات، أولها السيطرة على الثروات النفطية وحقول الغاز في قطر وضمها إلى السعودية.
أردوغان أنقذ تميم من الانقلاب
وتجدر الإشارة هنا إلى الاتهام القطري المستمر للسعودية بسعيها لتدبير انقلاب في الدوحة، وهو تحدث عنه محمد أجيت المحلل التركي الشهير في صحيفة “يني سفق” الذي كشف أن القوات التركية لعبت دوراً كبيراً في الحؤول دون حصول “انقلاب سياسي” على أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في اليوم الأول للأزمة الخليجية، مشيراً إلى أن قوة عسكرية تركية تمركزت حول مكان إقامة تميم في الدوحة في الليلة الأولى للأزمة، وتم وضع سرب من الطائرات العسكرية التركية في حالة جهوزية للتدخل بالسرعة القصوى حال الضرورة، واضطرت القوات السعودية والإماراتية للتراجع عن الإطاحة بالحكم في قطر والعودة أدراجها في منتصف الطريق تلافياً لتحويل الأزمة لتصبح مع تركيا، مع ما لذلك من أثمان باهظة وانعكاسات سلبية على الخليج.
حلف ثلاثي مقابل الحلف السعودي
ومنذ ذلك الوقت، تمظهرت العلاقة التركية – القطرية بأكثر من وجه سياسي وعسكري وأمني واقتصادي، فضلاً عن توجّه قطر إلى تحويل شبه الجزيرة إلى ثكنة عسكرية بكل ما للكلمة من معنى، ويضاف إلى ذلك اللقاء الثلاثي الذي جمع رؤساء أركان القوات المسلحة لدول قطر، والسودان، وتركيا في الخرطوم، مما أقلق الرياض ودفع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى إيفاد مساعده محمد عبد الله العايش، إلى الخرطوم على رأس وفد عسكري وعقد “جلسة مباحثات تناولت مجمل قضايا الوضع الراهن العسكري والأمني في المنطقة، ومناقشة التدابير المطلوبة للتعاطي مع الأحداث، وما يستجد من مواقف بالقدر الذي يحق الأمن والاستقرار في المنطقة ويحمي المصالح الاستراتيجية للبلدين الشقيقين وللأمة العربية والإسلامية” بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء السودانية.
من سيشعل فتيل التفجير؟
لا يمكن الحديث عن قدرة قطرية على تشكيل أي حلف بدون نفوذ تركيا باعتبارها الدولة الأقوى في المنطقة، كما يجدر الالتفات إلى العنصر الثالث للحلف وهو السودان، الذي يأتي مقابل وجود مصر في الحلف السعودي، ولا داعٍ للحديث عن العلاقة الدائمة التوتر أصلاً بين مصر والسودان، وبذلك تواجه السعودية خطر ضرب حليفها المصري بالحليف السوداني لتركيا وقطر، وهكذا تستقر المعادلة.
في المقابل يبدو أن السعودية في عهد محمد بن سلمان ماضية في تمتين حلفها الخاص في مواجهة الحلف التركي – القطري – السوداني، ولم يعد خافياً التوتر الذي بدأ يتصاعد بين الحلف السعودي من جهة وبين كل من سلطنة عمان والكويت من جهة ثانية، وهاتان الأخيرتان لا تناصبان العداء أو الخصومة مع قطر، وبالتالي فإن منطقة الخليج، الغارقة في بحر السلاح والتسلّح، تتجه إلى أن تصبح منطقة عائمة على حقول من القنابل الموقوتة تنتظر من يفجّرها، وقد لا يكون تحقيق الأهداف الذي رسمها ابن سلمان ممكناً إلا من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة، وبذلك تنهار الممالك والدول، وتأتي القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة لتعيد تشكيل النسيج العربي، فمن يأخذ المبادرة؟! ومن المستفيد؟